يومٌ في حياة أم “لا تفعل شيئاً”

0

أم لا تفعل شيء

أخيراً نجحتُ في النوم بعد أن أمضيتُ الليل أفكر بجملة زوجي “لِمَ تتذمرين؟ أنتِ تقضين اليوم كله في المنزل، لا تفعلين شيئاً سوى تصفح مواقع التواصل الاجتماعي على هاتفكِ.” لكن سرعان ما مضى الوقت واستيقظتُ على صوت بكاء طفلتي الصغيرة، حضرتُ لها زجاجة الحليب وغيرت لها الحفاض. مباشرةً بعد أن انتهيتُ استيقظت طفلتي الثانية التي تبلغ 4 سنوات تلتهما طفلتي الثالثة التي تبلغ 7 سنوات من العمر.

حضرتُ الإفطار، أيقظت زوجي الذي تناول الإفطار وخرح. بدأتُ بغسل الأطباق وطفلتي الصغيرة التي تبلغ سنة ونصف تقف أمامي ممسكةً بثوبي، لا أدري لما دائماً ما تمسكني بهذه الطريقة حين أنظف الصحون، كأنني سأهرب منها وسأختفي. نظفت الطاولة وكنست الأرض وأزلتُ فتات الطعام، في هذا الوقت كان أطفالي قد بدأوا ينشرون الفوضى في الصالون. اعدتُ ترتيب الصالون وأعطيتهم بعض الألعاب التعليمية كي يجلسوا ويهدأوا قليلاً.

وإذا بهم بنثرون الأوراق والخرز في كل مكان ويقفزون ويضحكون. اتجهتُ لتوضيب الألعاب وبدأت ابنتي الوسطى تساعدني. ابنتي الكبرى غالباً ما لا تتجاوب إن طلبتُ منها إعادة الألعاب مكانها، فهي مصابة باضطراب طيف التوحد، وإن استجابت تشعر بالملل سريعاً وتنسحب.

في هذا الوقت اتجهت “الزوبعة” الصغرى إلى المطبخ دون أن أشعر وأزاحت الكرسي ووضعته قرب حوض الأطباق وبدأت تحمل الأغراض وتغير أماكنها، فوقع فنجان صغير. سمعتُ صوت الفنجان فركضتُ كالمجنونة، وحملتُها أتفقد إن أصابها مكروه. ثم بدأتُ كنس المطبخ من جديد لإزالة الزجاج المتناثر وأعدتُ ترتيب الأطباق.

خلال هذه الفترة القصيرة كانت “زوبعتي” الصغيرة قد اتجهت إلى الشرفة. كيف ذلك؟ أختها اللطيفة فتحت لها الباب!!! وبدأت “زوبعتي” تلعب بالرماد ونثرته في الأرجاء وأصبح لونها رمادياً. ركضتُ وأدخلتُها إلى الحمام.

في هذا الوقت كانت ابنتي الوسطى قد اخذت هاتفي لتشاهد برنامجها الكرتوني المفضل. وسمعتُ فجأة صوته وقد وقع منها، فصرخت وقالت لا تخافي، لا يزال يعمل! فاحترتُ أأضحك أم أبكي. انتهيتُ من حمام الصغيرة، وأثناء إلباسها، أتت إليّ ابنتي الكبيرة وهي تحمل شريطاً كهربائياً وتديره في الهواء، فطلببتُ منها أن تقترب كي أتأكد ما هو، فإذا به شريط فأرة الحاسوب. سألتها أين الفأرة، فإذا بها تمسك بها باليد الأخرى وتقدمها لي. ضبطتُ أعصابي قدر المستطاع، وحاولتُ ألا أصرخ بينما كنتُ أغلي من الداخل، لكنني أدرك جيداً أنها لا تدرك عواقب أفعالها.

premium freepik license

بعد أن ألبستُ ابنتي الصغرى، كان وقت وجبة الغداء قد اقترب. حضرتُ الطعام. واتجهنا معاً نحو المطبخ وأطعمتهم ثم كررتُ سيناريو تنظيف المطبخ والأطباق، ولكن هذه المرة مع تغيير ملابس ابنتي الوسطى، فقط وقع بعض الطعام على ملابسها.

أثناء تغيير ملابس ابنتي الوسطى، اتجهت “زوبعتي” الصغيرة إلى زجاجة الماء وشربت منها بعد أن فتحتها لها أختي الكبرى. دخلتُ لأرى الأرض وملابس تلك “الزوبعة” غارقة في الماء. غيرتُ ملابسها مجدداً بسرعة، في هذا الوقت كانت ابنتي الكبرى قد تزحلقت بالماء وسقطت أرضاً، أسرعتُ وحملتها وواسيتها وغيرتُ لها ملابسها التي غرقت بالماء أيضاً. ومن ثم نظفت الأرض.

بعد ذلك بدأنا بحل الواجبات المدرسية وبعد الكثير من المماطلة تمكنا من إنجاز هذه المهمة بسلام.

تلا ذلك الكثير من “لا تضربي أختكِ” “كفا عن التشاجر” “اتركي شريط الكهرباء” لا تصعدي على الطاولة” “لا ترمي الطعام أرضاً”.

وفي نهاية يومي الجميل ختمت “زوبعتي” الملاك يومي بفتح خزانة المونة غدراً ورمي الأرز ونثره في المطبخ، وذلك في ثوانٍ أثناء تلبيتي لطلب ابنتي الوسطى التي كانت تود شرب الماء.

لا أذكر كم مرة صرختُ، وكم مرة كنتُ على حافة الانهيار والبكاء. لكن حين غفت ابنتي الصغرى بين يديّ نسيتُ كل شيء. وبعد ذلك حممتُ ابنتي الوسطى وبدأت تقبلني وتقول أحبك ماما.

دخل زوجي من باب المنزل، وعندما جلس وأنا أمشط شعر ابنتي الوسطى نظر إلى هاتفي المتروك على الطاولة وقال “لقد كُسِرَ غطاء الهاتف الواقي! ما لهؤلاء الأطفال يخربون كل شيء!”.

لم أستطع تمالك نفسي، فانفجرتُ ضاحكةً. وسألني مندهشاً “ماذا دهاكِ؟ لِمَ تضحكين هكذا؟”. فأجبته “قضيتُ يومي لا أفعل شيئاً، لكنني لم أنتبه إلى أن زجاج هاتفي الواقي قد انكسر. ثم أن أمرٌ بهذه البساطة أثار جنونك! ماذا لو رأيتَ فأرة الحاسوب أو الفنجان المكسور. ابنتك أغرقت نفسها بالماء مثلا. أو ابنتك الأخرى التي أسقطت الطعام على ملابسها. أو “زوبعتنا” الصغيرة وهي تمسك بشريط الكهرباء وتكاد تؤذي نفسها لولا أنني أبعدتُها في اللحظة الأخيرة. لو حضرتَ ساعتين فقط من هذا اليوم الماراتوني، أراهن على أنكَ كنتَ ستركض في الشارع وتصرخ أنقذوني.. سبحان مَن سخر كل امرءٍ ووضع فيه طاقة تحمّل وفق مهمته. سبحان مَن يلهمنا صبراً لا حدود له كي نتمكن من تحمّل كل هذا الجنون وننهي يومنا بابتسامة وقبلة على جبين أطفالنا على الرغم من كل شيء”.

اترك رد