إنّ ارتباط الطفل المفرط والحصريّ بأحد الوالدين ليس عادلاً بالنسبة إلى الطفل كما أنه عبء ثقيل جداً على كاهل الأم. ما من شيء طبيعي في أن تضطر المرأة إلى ايقاف كافة النشاطات الأخرى وأن تكرّس نفسها تماماً لأولادها.
إنّ التربية بالارتباط أو التربية الطبيعيّة، أو عن قرب أو بالغريزة والفطرة، هي اتجاه تزداد شعبيته وشيوعه في الوقت الراهن استناداً إلى الاعتقاد بغريزة الطفل وضرورة تلبية كافة حاجاته.
تستند هذه التربية إلى عادات الأهل الذين اعتادوا أن يعيشوا من الصيد وجمع الثمار والذين يحملون بشكل عام أطفالهم بشكل ملاصق لأجسادهم على الدوام، بحيث يكون الطفل على تماس ملموس ودائم مع أمه التي ترضعه عند الطلب.
ولهذا السبب، يزداد اليوم استخدام حمّالات الأطفال والمناديل التي تحمل فيها الأمهات أولادهن خلال النهار فيما هن يقمن بأعمالهن اليوميّة، وينام الأطفال ليلاً إلى جانبهن.
غالباً ما تتطلّب هذه الطريقة التزاماً تاماً من الأم اتجاه طفلها ويمكن أن تكون منهكة وأن تولّد لديها شعوراً بالعزلة.
لعل المشكلة تكمن في أننا ننسى الفرق الهام بين التربية الحديثة بالارتباط والتربية الطبيعيّة الحقيقية.
هذه الطريقة تعني اليوم وبشكل أساسي ارتباط الطفل بأمه، وبأبيه أحياناً، في حين أنّ الأطفال خُلقوا ليكونوا مرتبطين بعدد أكبر من الأشخاص الذين ينتمون إلى مجتمعهم.
يجب ألا ننسى أنّ العيش في شقة، وفي عزلة عن افراد المجتمع الآخرين، هو محيط مخالف للطبيعة من منظور التطوّر والنمو.
عاش الناس خلال القسم الأكبر من تاريخ البشر في أكواخ وشكّلت القبيلة نواة المجتمع، وهي تتألف من 20 إلى 50 شخصاً يتعاونون معاً ويتنقلون سوياً من مخيم إلى آخر، بحسب وفرة الصيد أو بحثاً عن نباتات قابلة للاستهلاك.
وكلما تنقّلوا، شكّلوا معسكراً مؤقتاً وناموا كمجموعة.
وباستثناء وقت النوم، كان الناس يمضون الوقت في الخارج برفقة أفراد القبيلة الآخرين.
كانت الزيجات موجودة وكانت علاقات الأولاد بأهاليهم مميّزة لكن الأهل “لا يمتلكون” أولادهم بالطريقة التي نعيش فيها الأبوة والأمومة اليوم.
يعود الأولاد بطريقة ما إلى المجموعة كلها. والكل يرعاهم ويهتم بهم.
كان للكل علاقة متقدّمة مع كل ولد وكان الأولاد أنفسهم، حتى الأطفال الرضّع منهم، يؤثّرون بشكل فاعل في هذه العلاقات.
من منظور التطوّر والنمو، من المنطقي أن يسعى الأولاد إلى إقامة علاقات وثيقة مع أكبر قدر ممكن من الأشخاص المختلفين وليس مع أهاليهم فقط.
أولاً، غالباً ما كان الأهل يموتون قبل أن يكبر أبناءهم وذلك خلال فترة طويلة من تاريخ البشر. إن فقدان أحد الوالدين حدث محزن دوماً لكن إن وجد الولد أشخاصاً آخرين يمكنه الاعتماد عليهم فلن يكون ذلك مأساوياً بهذا القدر.
ولطالما كان هدف الطفولة أن يصبح الولد شخصاً مستقلاً قادراً على أن يبني علاقات مع العديد من الأشخاص المختلفين الذين يعتمد عليهم المرء في بقائه وتكاثره.
وهذا الأمر لا يمكن أن يتعلّمه إذا ما حصر اهتمامه وانتباهه بالأم والأب بل عليه أن يوسّع انتباهه ليشمل العديد من الأشخاص المختلفين الذين يتمتعون بشخصيات مختلفة ويملكون حاجات مختلفة ويمكن أن يقدّموا للأولاد أشياء مختلفة.