ماذا لو تبيّن أننا لم نفهم ما تعنيه التربية بالارتباط ما بين الأم والطفل؟
التربية والارتباط:
ثمة هدف للطفولة وهو التعلّم- اكتساب الأفكار والمعارف والمهارات والقيم التي تغذّيها ثقافة معيّنة.
إذا حاولتم أن تتعلّموا عبر الاكتفاء بالنظر إلى أهاليكم، فلن تتعلّموا سوى القليل مما يحيط بكم ولن تستعدّوا جيداً للحياة.
نساء مجتمعات الصيد وجمع الثمار يتابعن عملهن المعتاد ويعشن حياة اجتماعية ناشطة. فالأمومة لا تعزلهن أبداً بل تربطهن أكثر بأفراد القبيلة الآخرين بما أنّ الجميع يحب التواصل مع الأولاد.
في هذه القبائل، أول من يأخذ الطفل بين ذراعيه عند الولادة هم النساء والأطفال الموجودون في المكان والذين ساعدوا في عملية الولادة.
بعدئذ، ينتقل الطفل من يد إلى أخرى ما بين أفراد القبيلة الذين يحضرون للترحيب بالعضو الجديد.
الأم هي آخر شخص يأخذ الطفل بين ذراعيه.
في الواقع، لا ينحصر إرضاع الأطفال بأمهاتهم فقط بل تعمد نساء القبيلة الأخريات إلى إرضاعهم وهن عموماً لا تربطهن صلة قرابة بالأم.
أظهرت عمليات المراقبة المنهجيّة أنّ الأطفال ما بين سن 4 و6 أشهر يقيمون اتصالاً جسدياً أو اجتماعياً وثيقاً مع 9 أشخاص كمعدل وسطيّ كل ساعتين، في حين أن الأطفال ما بين سن 18 و21 شهراً يتواصلون مع 14 شخصاً مختلفاً كمعدل وسطي كل ساعتين!
ويشمل هذا الرجال والنساء والأولاد والراشدين.
يكون الأطفال على تماس مع كل شخص مدة ثلاث دقائق تقريباً كمعدل وسطي قبل أن ينتقلوا إلى ذراعيّ شخص آخر. وكلما كبر الأطفال أكثر، كلما أخذوا المبادرة ليتواصلوا مع الآخرين أكثر وليصلوا إليهم ويبتسموا ويضحكوا، الخ…
إنّ سوء معاملة الأطفال تكاد تكون مستحيلة في مجتمع الصيّادين وجامعي الثمار. إذا تصرّف الوالد أو الوالدة بشكل سيء مع الطفل، يتدخّل الآخرون على الفور ويهدّئون الأهل ويواسون الطفل.
وبما أن رعاية الأطفال والعناية بهم نشاط عام، يعلم الجميع بما في ذلك الأولاد الصغار كيف تمت تربيتهم. ولهذا السبب، لا يمكن أن نجد شخصاً غير مستعدّ للأبوّة أو الأمومة.
ما من شخص يهتم وحده بولده او أولاده.
أما اليوم فالقصة مختلفة!
في عصرنا الحديث، أصبحت هذه الطريقة في التربية عبئاً على الأم.
وإن كانت محظوظة، يعمد الأب إلى “مساعدتها قليلاً” لكن الحجة التي يتذرّع بها بشكل عام “أنا أعمل ليلاً نهاراً وأنا متعب” هي سيف قاطع يعرفه الكثير من النساء.
بالتالي، وانطلاقاً من نيّة طيبة بإنشاء علاقة وثيقة بالطفل، تبقى الأمهات ملتصقات بأطفالهن ويلبين نزواتهم كلها.
ويفضي هذا عموماً إلى العزلة والاكتئاب. في الواقع، وبسبب شعورهن بالانهاك الشديد الناجم عن قيامهن بكافة الأعمال وحدهن، لا يتبقى لدى النساء القوة الكافية للخروج والتمتع بحياة اجتماعية.
وحتى عندما يفعلنها ويخرجن، يساورهن شعور بالذنب. ماذا لو بكى الطفل وطالب بوجود أمه في حين أنها ليست إلى جانبه لتأخذه بين ذراعيها؟
وانتقلنا هنا تقريباً من الأبوة والأمومة الجماعيّة إلى الأمومة الأحاديّة.
تتحمّل الأم كافة المسؤوليات!
إنّ النتيجة النفسيّة هي القلق المفرط فضلاً عن المقارنة المستمرة بالأمهات الأخريات. لمَ لا تستطيع أن تنجح في هذا الدور فيما تبدو الأخريات رائعات في دورهن كأمهات؟
عندما تتخلين عن حاجاتك الشخصيّة وتكونين على تواصل وتماس مستمر مع كائن آخر، تصبحين امتداداً له تقريباً.
وهكذا، تفقدين هويتك.
ولا يبقى لك أيّ قيمة أو وجود خارج دورك كأم. ولا يتردد الآخرون في أن يذكّروك بهذا الأمر. إذن، نعم…
إنّ التربية بالارتباط مفهوم رائع لكن يبدو أننا نسينا كيف يُفترض بنا أن نطبّقه.الأب، الجدّان، الخالات، العمّات، الأقارب… يجب إشراك الجميع! وإلا ستتحوّل التربيّة إلى تربيّة أحاديّة تسبب الضغط النفسي والإحباط.
ولن يخرج الطفل والأم سالمين من هذه التجربة.