في طريقكم لجعل أطفالكم “ناجحين” انتبهوا ألا تدوسوا على قلوبهم

0

أطفالكم الناجحين:
كنتُ في السادسة من عمري تقريباً. وكان وقت توزيع علامات مادة الرياضيات. أذكر ذاك الموقف بكافة تفاصيله. حينها حمل زميلي في الصف ورقة امتحانه وسرعان ما أصيب بنوبة بكاء شديدة، اقتربت منه المعلمة بهدوء وأخبرته أنه إن درس سيحصل على علامة أفضل في المرة المقبلة. لكنه استمر بالبكاء دون توقف وقال لها “أرجوكِ لا تطلبي توقيع والدي على الورقة، إن رأى علامتي سيربطني بالشجرة تحت المطر مساءً، وسيمنعني عن تناول الطعام لعدة أيام، أو قد يحبسني في غرفة مظلمة جداً لساعات طويلة!”.

أصيبت المعلمة بالدهشة حينها، ونادت الناظرة وتحدثتا معه. ثم أعطتنا وقت استراحة واصطحبتاه إلى مكتب المديرة. بعد بضع أيام اختفى سامر من الصف. لم يعد يحضر إلى المدرسة. ما زلتُ لا أدرك السبب. لكن لا بد أن الإدارة استدعت الوالد، وأن هذا الأخير رفض تدخل أحد في طريقة تربيته لابنه، ومنعه من الذهاب إلى المدرسة.

أذكر تلك الفترة أنني ظللتُ أحلم لليالٍ متتالية به وأتخيله معلقاً على شجرة تحت المطر، او يبكي في غرفة مظلمة. لقد ترك هذا الموقف أثراً كبيراً في نفسي حينها، لم أكن أعلم أن الكون يحتوي على هذا الكم من الشر. ولم أكن أتخيل أنه من الممكن لأب أو لأحد في الوجود أن يتصرف بهذه الطريقة. لوهلة تخيّلتُ أنها مشاهد من فيلم سينمائي.

لكن مع الأسف، إنها الحقيقة..

كبرتُ وسمعتُ عن تعنيف بعض الآباء أو الأمهات لأطفالهم بحجة التربية والتأديب! ونعم، ما زال هناك الكثير من الناس الذين يتبعون هذه الأساليب التربوية، وربما بعضهم يقرأ هذا المقال الآن. لأن الأجيال التي تكبر في جو من العنف والخوف، ما لم تتحرر من مشاكلها ومن ماضيها ستكرره حتماً، وستستخدم نفس الأسلوب التربوي مع الجيل القادم أي مع أطفالها.

والأسوأ أنهم يظنون أن أهلهم كانوا على حق، وأنهم بخير! هم لا يتجرأون حتى على الاعتراف لأنفسهم أنهم ليسوا بخير، وأنهم بحاجة إلى الحب والأمان الذي افتقدوه في طفولتهم.

إلى هؤلاء الأشخاص أتوجه، وأسأل “متى كانت آخر مرة استطعتم فيها أن تثقوا بالآخرين؟ متى كانت آخر مرة تمكنتم فيها ان تحبوا أحداً بصدق دون خوف من التخلي أو من الخيبة؟ متى كانت آخر مرة أخبرتم فيها أنفسكم بأنكم رائعون وبأنكم تستحقون الحب؟ وبغض النظر عن القناع الذي ترتدونه، قناع القوة المزيف.. أخبروني، هل أنتم حقاً أقوياء؟ هل تثقون حقاً بأنفسكم؟ هل أنتم حقاً سعداء؟”

طفولة المرء تؤثر في طريقة تفكيره وصورته عن ذاته مدى الحياة. الأشخاص الذين يتم تعنيفهم في صغرهم يشعرون بأنهم لا يستحقون الحب وأنهم غير قادرين على النجاح، يشعرون بالتوتر ويتجنبون البقاء بمفردهم خوفاً من مواجهة أنفسهم.

وبالعودة إلى التربية، دعوني أخبركم أن علامات أطفالكم ليست أهم من نظرتهم لذاتهم. في طريقكم لجعل أطفالكم “ناجحين” انتبهوا ألا تدوسوا على قلوبهم! في طريقكم ل”تأديبهم” وتربيتهم انتبهوا ألا تكسروا خاطرهم وثقتهم بأنفسهم. وفي طريقكم لجعلهم “أقوياء” عبر قسوتكم، تأكدوا مما إذا كانوا سعداء أيضاً. وبالمناسبة، القوة لا تعني القدرة على تحمل القسوة والألم فحسب، بل تعني القدرة على مواجهة التحديات والنهوض بعد الفشل وتعني امتلاكنا ما يكفي من الجرأة كي نحب بصدق، وكي نحب يجب أن نتعلم أولاً من والدينا أننا حقاً نستحق الحب.

سماح خليفة

اترك رد