كفوا عن محاولة نحت شخصية أطفالكم وفق رغباتكم ومعاييركم! لا تفرضوا على اطفالكم أن يشبهوكم، لكل طفل شخصية مستقلة ومختلفة!
نظرتُ إلى أمي وهي تتكلم وابتسمت بصمت. نفس الخطابات والانتقادات التي أسمعها منذ طفولتي. لم يتغير شيء، ولن يتغير شيء. حتى بعد أن أصبحتُ أماً لثلاث أطفال، وبذلتُ كل ما بوسعي كي أتمكن من بناء شخصية مستقلة بعيداً عن صوت كلماتها الذي يتردد صداه في ذاكرتي، لم تتغيّر.
“أنا لا أستطيع أن أفهم أسلوب حياتكِ، أنتِ فوضوية جداً، لن تتغيري أبداً.. كيف أصبحتِ أماً؟ أنا لا أرى أنكِ قادرة على تولي مسؤولية نفسكِ حتى. لا أشعر بأنكِ أم تستطيع الجري خلف 3 أطفال وتأمين احتياجاتهم! لن تتغيري أبداً”
حاولت إخفاء انزعاجي وشعوري بالخيبة والإحباط عن طريق المزاح. فرفعت يدي المجبرة التي كسرتها وأنا ألتقط ابنتي التي كادت تغرق في المسبح، وقلتٌ لها ” أمي، ألا ترين؟ لقد كُسرت يدي وأنا أركض خلفهم. ما زلتِ مقتنعة أنني لا أنتبه لأطفالي ولستُ مؤهلة لأكون أماً؟”. أجابت باستهزاء “هذا يؤكد كلامي. لقد كسرتِ يدكِ لأنكِ بالكاد تستطيعين تولي مسؤولية نفسكِ”.
لِمَ تراني فاشلة إلى هذا الحد؟
عدتُ إلى صمتي وأنا أفكر في نفسي “أنا أعلم أنها تحبني وتخاف عليّ وعلى أطفالي. أعرف أنها تتمنى لي الأفضل. انا أفهمها حقاً. وأدرك أن نواياها سليمة وأنها تود أن تراني في أفضل حال. لكن ما الذي يجعلها تراني فاشلة إلى هذا الحد؟ رغم أنني أبذل كل ما في وسعي كي أثبت لها العكس. لم أتمكن يوماً من ذلك..”.
استأذنتُ وانسحبتُ كالعادة مدعية أن لدي عملاً أقوم به فكررت جملتها الشهيرة “هيا اهربي من الحقيقة. كلما واجهتكِ تتهربين. أنا أريد مصلحتكِ وأنتِ تتعاملين معي كأنني عدو”.
وتساءلتُ في نفسي “عدو؟ هي لا تعلم كم أحبها وكم أقدر تضحياتها. لكنني أصمت كي لا أجرحها بإجابات غير لائقة. هي تريدني أن أشبهها، أن أكون مثلها. ماذا عساي أن أخبرها؟ أنني لا أشبهها ولن أشبهها ولا أريد أن أشبهها يوماً؟ أن لكل إنسان طريقة تفكير مختلفة؟ أن أولوياتها تختلف عن أولوياتي؟”
حقاً أولواتنا تختلف
حين أنجبتُ أول طفلة لي ودخلَت الحاضنة، كنتُ محطمة وخائفة ووحيدة، وحيدة جداً. كانت أولويات أمي البقاء في منزلها والاهتمام بترتيبه. أولوياتي اليوم تقتصر على تكريس كل لحظة أستطيع توفيرها لأطفالي، كي يعلموا أني هنا، بالقرب منهم. كأنني أحاول التعويض لنفسي عن كل لحظة احتجتُ إليها فيها وتمنيتُ أن أجدها بالقرب مني ولم تكن هنا.
حتى مفهومها للتضحية مختلف، كانت تضحي بوقتها وصحتها لتهتم بكل احتياجاتنا المادية، وبدراستنا وبمظهرنا وشكلنا الخارجي. لكنها لم تنتبه يوماً إلى ما يختلج في أعماقنا. بينما لا مشكلة لدي اليوم حين أكون مرهقة أو محبطة، أن أترك أولادي بشعرٍ مبعثر طيلة اليوم ونحن نقوم بنشاطات ترفيهية وتقليد مشاهد لعب الأدوار معاً.
لم نلتقِ يوماً، ولا أدري إن كنا سنلتقي. لكنني أتمنى لو كان باستطاعتي أن أطلب منها أن تكف عن محاولة نحت شخصيتي وفق مستوى تطلعاتها ونظرتها إلى المثالية. لا أستطيع أن أدعي أن الأمر لا يحزنني. من المحزن حقاً أن يعترف لي كل من حولي بأنني أم عظيمة، وأن يستمر الشخص الوحيد الذي أحلم أن أكون مميزة بنظره، باعتباري شخصاً فاشلاً.
أنا شخصياً لا أتمنى أن يشبهني أطفالي. اتمنى أن تكون ابنتي أقوى وأذكى مني وأكثر قدرة على المواجهة، إلى حد إخباري عن مشاعرها حتى لو كانت كلماتها موجهة ضدي. كلنا نخطئ، لكن بعض الأخطاء تبني عقبات في طريق تطوّر أطفالنا وجداراً يمنع التواصل بيننا وبينهم. كفوا عن محاولة نحت شخصية أطفالكم وفق رغباتكم.. لكل طفل شخصية مستقلة! دعوهم يعيشون تفاصيل تميّزهم واختلافهم كما يحلو لهم.
سماح خليفة