لماذا لا أريد أن يكون طفلي “عاقلاً”…

0

الطفل العاقل:

“كم هو عاقل!”، “أنتِ محظوظة لأن طفلكِ عاقل”، ” كان عاقلاً اليوم”…

أعلم جيداً أنّ هذه العبارات تُقال دائماً بالكثير من حسن النيّة، وأنها من المفترض أن تكون مجاملات تهدف إلى إسعادي، وحتى إسعاد ابني… لكنني لا أحبها، بل أعتقد أنها تزعجني أيضاً. ليس هذا ما أريده من طفلي!

ما الذي يعنيه فعلياً “أن تكون عاقلاً”؟

يكفي أن تفتحوا المعجم لتلاحظوا أنّ تعريف كلمة عاقل متنوع جداً (وخاصة) حين نتحدث عن الأطفال.

في ما يلي أول تعريفين حين تُنسب هذه الصفة إلى الأشخاص البالغين:

  • “الشخص الذي يتصرف بثقة في حكمه وسلوكه”: إنه رجل عاقل.
  • ” الشخص الحكيم، الحذر الذي يتبع المعايير ويتصرف بطيبة”: اتخاذ تدابير عاقلة.
من ناحية أخرى إذا نُسبت هذه الصفة للأطفال فيكون تعريفها: “الطفل الذي يتصرف بهدوء وطاعة: الطفل العاقل.”

طاعة؟ لا أريد أن يكون طفلي مطيعاً! أعمل يومياً لأعلّمه العكس! الإستقلالية، حس المسؤولية، المبادرة، لكني حتماً لا أريد أن أعلّمه كيف يكون مطيعاً! طفلي ليس حيواناً أسعى لتدريبه من أجل راحتي الشخصية. وهل الشخص المطيع هو شخص سعيد وراضٍ وجيد في حياته؟ أشك في ذلك.

كشخص بالغ، أن تكون عاقلاً يعني “أن تكون حكيماً في أحكامك وتصرفاتك”، أو “أن تتصرف بطيبة” وذلك وفقاً للمعجم. أما حين نتحدث عن الطفل المهذب، فيُشار إلى الطاعة “أن يكون مهذباً هادئاً لا يثير الفوضى ولا يتحرك”. أن يحافظ على هدوئه ولا يغضب الكبار!

على أيّ حال، لا أستطيع أن أرى كيف لطفل مطيع أن يصبح لاحقاً شخصاً راشداً واثقاً من نفسه، وواثقاً في أحكامه ويتصرف بشكل جيد. هذا غير منطقيّ! فالطفل الذي لطالما طُلِبَ منه أن يكون “عاقلاً” سيجد صعوبة في أن يصبح شخصاً راشداً واثقاً من نفسه. فأن يكون الطفل عاقلاً أو مطيعاً، يعني أن يصمت حتى لو لم يشعر بالرضا وحتى لو وجد الموقف غير عادل. بهذه الطريقة، يتعلم الطفل أن ينفذ ما يطلبه الشخص الراشد من دون تفكير، ومن دون أن يعرف الصح من الخطأ. إنه يخضع كلياً لسلطة الكبار، ولا يتعلّم أن يختار، أو أن يثق بحكمه أو رأيه، أو يتحمل مسؤولية. إنه النقيض التام للحكمة الحقيقية!

في صغري، كنتُ “طفلة عاقلة” بنظر الراشدين. لطالما قالوا لي ذلك. في الواقع، لم أقل يوماً أي كلمة بصوت أعلى من أصوات الآخرين، ولطالما كنتُ طفلة مطيعة لأنني كنتُ أخشى العواقب، وأتأثر جداً بنظرة الكبار. لم أجرؤ على التعبير عن رأيي، حتى أنني كنتُ غير مرئية سواء مع الكبار أو مع الأطفال الآخرين. لم أكن أشعر بالراحة والثقة، كما افتقرت إلى الثقة بنفسي وكان تقديري لذاتي ضعيفاً جداً لدرجة أنني ظننت دوماً أن الأطفال الآخرين كلهم أفضل مني.

وعلى الرغم من أنني كنتُ “عاقلة” إلا أنني بذلتُ الكثير من الجهد لاحقاً لأتعلم كيف أثبت وجودي وأثق بنفسي وبقدراتي، وأفرض خياراتي وأفهم مَن أنا وما يناسبني فعلاً، حتى أنني ما زلتُ أعمل على ذلك. وهذا ليس ما أتمناه لطفلي!

لا نطلب منه أنا ووالده أن يكون عاقلاً. أحياناً، يكون هادئاً جداً لأن الموقف يتطلّب ذلك:

عندما يركز في لعبة أو نشاطٍ ما، حين ينام أو يتناول الطعام… هو يعيش حياته الصغيرة بطريقة هادئة وكتومة ويترك الراشدين من حوله من دون أن يزعجهم. لذلك يقولون لي إنه عاقل. في أوقات أخرى، حين يزعجه أمر ما أو لا يتفق معنا، يعرف كيف يعبر عن ذلك. من المضحك كيف يمكن للأحكام أن تتغيّر بين يوم وآخر في ما يتعلق بسلوكه. إذا “تصرّف بشكل جيد” لبضع ساعات أثناء اجتماعنا بشخص (شخص لا يعرفه كثيراً أو قلما يلتقيه)، يقولون لي إنّه طفل عاقل (أهلاً بآداب السلوك!)

لكن إذا حدثت نوبة في اليوم التالي وتحديداً أثناء لقائنا شخصاً آخر، فسيراه هذا الشخص طفلاً نزقاً. طفلي الصغير ليس عاقلاً ولا نزقاً، إنه هو. يشعر بالثقة التامة للتعبير عن مشاعره عندما لا يكون بخير، ولا أريد أن يتغير هذا لأي سبب في الوجود!

اترك رد