لا تخافوا على أطفالكم من أطفالنا “المختلفين“.. خافوا عليهم من عدم قدرتهم على تقبلهم
“ليس هؤلاء الأطفال هم مَن يحتاجون إلى الدمج في المجتمع. المجتمع هو مَن يحتاج إلى وجودهم كي يرتقي إنسانياً وأخلاقياً.” ليست كلماتي، إنها كلمات الدكتورة فاطمة قيسي أخصائية العلاج السلوكي التي تملك خبرة أكثر من 20 سنة في مجال التعامل مع الأطفال “المختلفين”. كانت تحدثنا حينها عن خطوة دمج أطفالنا في المجتمع. هي لا تتكلم كثيراً، عباراتها مختصرة وواضحة. وغالباً ما تكون من نسج الواقع ونسج رقيها الفكري والإنساني ونسج عشقها لأطفالنا وتعاطفها معنا كأهل لأطفال مصابين باضطرابات سلوكية، جسدية أو عقلية.
لقد كنا في اجتماع للأهالي، نظرنا إليها وكاد معظمنا يبكي. هي تقرأ ما في قلوبنا ونفوسنا. جميعنا عانينا من خوفنا الجنوني على أطفالنا الذين لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم إن تعرضوا للتنمر أو الإهمال أو التهميش في المؤسسات التعليمية. سواء من قِبَل المعلمين أو من قِبَل زملائهم. جميعنا نعلم أن أهالي باقي الأطفال يفضلون أن لا يتعرف أطفالهم على أطفالنا “المختلفين” كي لا يقلدونهم سلوكياً، سوى قلة نادرة جداً تعرف أن الجميع معرضون وتدرك ضرورة تقبل الآخر واحترامه.
حسناً، لنكن واقعيين، أي أم ستخاف أن يتواجد طفلها مع طفل آخر لديه سلوكيات لاإرادية بسبب تأخر عقلي أو بسبب الإصابة باضطراب طيف التوحد أو بسبب تأخر في الإدراك والتواصل. قد تخاف أن يقلد سلوكياته ويتصرف مثله مثلاً.جاءت كلمات تلك الأخصائية كبلسم يداوي جرح قلوبنا. ذاك الجرح الذي نخفيه في أعماقنا ونكافح كي نستمر بإخفائه ونخرج للعلن ونبتسم، ذاك الجرح الذي نتجاهله كي نتمكن من الصمود ومساندة أطفالنا في رحلاتنا العلاجية، ينزف داخلنا يومياً بصمت. يزيد من حدة نزيفه بعض المواقف القاسية، كنظرات الشفقة أو الاستهزاء أو ربما كسماع عبارة “هؤلاء الأطفال مكانهم ليس بين الناس، مكانهم في مؤسسات للاحتياجات الخاصة”.
من المؤسف أن نضطر إلى تبرير مواقف أطفالنا وتصرفاتهم باستمرار
نحن بالكاد نملك الطاقة لإكمال يومنا بسلام. نحن نحارب يومياً كماً هائلاً من الأفكار السلبية لا يدرك عنها أحد شيئاً: هل سيتمكن ابني ذات يوم من تولي مسؤولية نفسه؟ ما الذي سيحصل لابنتي بعد أن أموت؟ ماذا لو استهزأ الأطفال بسلوكيات طفلتي المسكينة اليوم؟ متى سيقول ابني “بابا”؟ متى سأعرف لماذا تتألم ابنتي وما سبب بكائها؟
إنها معركة صعبة واكتشفتُ مؤخراً أن المرض أو الاضطراب أو الإعاقة العقلية أو الجسدية ليست أعداءنا. عدوّنا الأول والأشرس والأعنف هو المجتمع. قد لا تكون النوايا سيئة لكن وقع تلك المواقف على قلوبنا واحد.
أطفالنا ملائكة، ملائكة بكل ما للكلمة من معاني. حتى أنهم أحياناً لا يدركون أبعاد أفكار وتصرفات الآخر السيئة، لأن طينتهم مختلفة، هم مخلوقون من حب وبراءة. ما زلتُ أذكر ذاك الطفل الذي كان يقلد ابنتي حين كانت ترفرف بيديها لاإرادياً (إحدى سمات التوحد)، لقد كان فعلياً يسخر منها. نظرت إليه حينها بعينيها البريئتين وابتسمت وكررت الحركة مجدداً، صغيرتي المسكينة ظنت أنه يلعب معها.
لمَن يخافون على أطفالهم من أطفالنا “المختلفين”.. لا تخافوا على أطفالكم من أطفالنا “المختلفين”.. خافوا عليهم من عدم قدرتهم على تقبلهم
لو تدركون حجم خوفنا من أن يكسر أحد براءة قلوب أطفالنا ويخدش إحساسهم لخجلتم من أفكاركم السطحية. أطفالنا هم من يحتاجون إلى حماية واهتمام.
قد أكتب عن هذا الموضوع كتباً مؤلفة من آلاف الصفحات المبللة بالدموع المليئة بالمواقف التي نواجهها يومياً مع أطفالنا الملائكيين في المقاهي، في الملاعب وفي المؤسسات التعليمية. لكنني ساكتفي بهذا الحد. أنا وباقي أمهات الأطفال “المختلفين”، نفضل أن نوفر ما تبقى لدينا من طاقة لاستكشاف مهارات أطفالنا وقدراتهم ودعمهم وتشجيعهم وإحاطتهم بالحب والاهتمام.
لكم عالمكم “الطبيعي” ولنا عالمنا “المميز” مع أطفالنا الملائكيين الذين ينثرون الحب والجمال حيثما تطأ أقدامهم الأرض.
إذا أعجبكم مقال “لا تخافوا على أطفالكم من أطفالنا “المختلفين”.. خافوا عليهم من عدم قدرتهم على تقبلهم” أو وجدتم أن مضمونه يشبه تجربتكم لا تترددوا في النشر أو التعليق.
سماح خليفة