يجب أن نهيئ الأطفال لمواجهة قسوة الحياة. هل الأمر صحيح؟
مواجهة قسوة الحياة: هناك أفكار تلقيناها من أهلنا ومحيطنا الاجتماعي تؤثر بطريقة أو بأخرى على الطريقة التي نتفاعل عبرها مع أطفالنا. إنها موجودة في خلفيتنا الاجتماعية والثقافية وهي تمنعنا من ان نكون أهلاً صالحين كما نتمنى. إن إدراكنا لمدى عدم صحتها يتيح لنا فهم ما يجعلنا نبقى في علاقة قوة وصراع لفرض السلطة مع أطفالنا.
هل يجب فعلاً أن نهيئ الأطفال لمواجهة قسوة الحياة؟
غالباً ما يقول الأشخاص الذين ينتقدون التربية الإيجابية إن الأطفال لن يقابلوا فقط أشخاصاً لطفاء وخيرين في حياتهم وإنه يجب تحضيرهم جيداً للعيش في مجتمع مليء بالعنف. يتم استخدام هذه الحجة بشكل عام لتبرير العقاب والإهانة وحتى الضرب. إلا أن العنف لا يؤدي سوى إلى استمرار العنف. حين يضرب أحد الأشخاص الراشدين طفلاً (سواء ضربه على مؤخرته أو على يديه أو صفعه أو شده من أذنيه أو دفعه من رأسه أو شد شعره…)، فهو يعلّم هذا الطفل العنف.
لإعادة صياغة تعبير توماس دانسمبورج بشكل أوضح، يمكننا أن نختار أن نكون جزءً من الحل بدلاً من الحفاظ على المشكلة. يمكننا أن نقرر التوقف عن إظهار أي نوع من أنواع العنف تجاه الأطفال (العنف الجسدي، العقاب، الابتزاز، التهديد، التوقف عن منح الحب، العزل، الصراخ… ). يمكننا أن نقرر عدم الحفاظ على مجتمع عنيف.
من ناحية أخرى، فإن الأطفال الذين تتم تربيتهم بطريقة إيجابية ليسوا بالضرورة غير مجهزين لمواجهة مجتمع عنيف. بل يمكنهم على عكس ذلك، أن يكونوا أكثر صموداً وقدرة على مواجهة التحديات، وأن يكونوا هم أنفسهم نماذج للتعامل مع الصراع بين الأطفال الآخرين، وأن يكونوا أقوياء عاطفياً بما يكفي لإثبات نفسهم دون فرض رأيهم.
علاوة على ذلك، إن إدراكهم أن باستطاعتهم الاعتماد على أهل قادرين على الاستماع إلى مشاعرهم المؤلمة ومنحهم الدعم غير المرتبط بأي قيدٍ أو شرط، حتى لو واجهوا صعوبات وإحباطات، يتيح لهم تكوين أمان عاطفي سيرافقهم مدى الحياة.
هل تؤدي التربية الإيجابية حقاً إلى جعل الأهل يشعرون بالذنب، لأنه من المستحيل على أي شخص أن يكون هادئاً طيلة الوقت؟
قال حاييم جينوت في الستينيات إن ما نتحدث عنه هو توجيه وليس سعياً إلى الكمال. لا أحد يطلب من الوالدين أن يكونا هادئين طيلة الوقت أو رهباناً بوذيين. كل عواطفنا مشروعة ويحق لنا أن نغضب. كل ما علينا تعلمه يدور حول استخدام طاقة الغضب لوضع الحدود الشخصية دون إيذاء الأطفال أو إلقاء اللوم عليهم وخدمة احتياجاتنا غير الملباة.
هناك فرق كبير بين مسامحة أنفسنا على خطأ عرضي (عقاب، ضرب، كلام جارح، إساءة استخدام السلطة…) أو الاعتذار وتبرير تصرفنا للأطفال، وبين عدم إدراكنا حتى أننا ارتكبنا خطأً، مما يؤثر على صحة الطفل ويفسد قيمه الأخلاقية ويضر بنوعية العلاقة بين الأهل والأطفال.
بمجرد أن ندرك العوامل التي تجعلنا نبقى عالقين في نموذج تربوي تقليدي يتسم بالعنف، نصبح قادرين على مواجهة النقاط التي يمكننا العمل على تعديلها بشكل مباشر.
كسر دائرة العنف المعتادة في أسلوب التربية: هو أمر صعب ولكنه ممكن
طبعاً من الصعب كسر دائرة العنف التربوي الطبيعية والخروج من آليات العنف الموروثة من الطفولة. على الرغم من صعوبة ذلك، إلا أنه لا يزال ممكناً.
- قرروا بشكل حازم عدم استخدام العنف التربوي مجدداً: اتخاذ تعهد بالالتزام اتجاه أنفسنا واتجاه الآخرين (خاصة الأطفال وشريك/ة حياتنا).
- صححوا السلوكيات عندما يكون هناك ميل نحو العنف في أسلوب التربية: مراجعة مع الطفل لما قلتموه أو ما قمتم به في السابق، تقديم الاعتذار، والاستماع إلى مشاعر الأطفال (الذين من الممكن أن يكونوا غاضبين من الشخص الراشد، فالغضب هو طريقتهم لاستعادة كبريائهم)
- تفسير وشرح أننا نسعى إلى تغيير سلوكنا،
- أن نطلب من الطفل مساعدتنا على تحديد ما يعتبرونه عنفاً وتذكير الوالدين بالالتزام بعدم استخدام العنف،
- إذا كان من الصعب جداً التغلب على آليات العنف هذه وتجاوزها، من الممكن طلب مساعدة أخصائي (معالج نفسي، مدرب للوالدين، ورشات تدريب حول التواصل بين الوالدين والطفل، وما إلى ذلك).
- اطرحوا على نفسكم السؤال التالي: “لأي سبب أتمنى أن يقوم طفلي بما أريده أن يفعله؟” (إذا كانت الإجابة تميل إلى المصلحة الشخصية، المتعة، المشاركة، الاستقلالية، وإرضاء النجاح، يصبح من الواضح أن الصراع على فرض السلطة لا مكان له في الأسرة).