الأمهات كالأطفال:
في كل عمل مسرحي فريق يعمل خلف الكواليس يبذل مجهوداً فكرياً ونفسياً وجسدياً عظيماً لإنجاز هذا العمل. غالباً ما يتم التصفيق للممثلين بعد انتهاء ذاك العمل الفني، ولا يتم تذكر أي شخص من أولئك الأشخاص الذين لولاهم لما كان من الممكن إنجازه.
نحن نتحدث هنا عن عمل يتضمن الاهتمام بشؤون طفل (أو عدة أطفال) صحياً ونفسياً واحتياجاته الأساسية من طعام ولباس ونظافة… وبترتيب ونظافة منزل.. وبالاهتمام برب المنزل وتلبية احتياجاته.. يلي ذلك التحضير للمناسبات والزيارات والاهتمام بالواجبات المدرسية للطفل…
الفرق هنا هو أن فريق العمل الذي يبذل مجهوداً فكرياً ونفسياً وجسدياً عظيماً لإنجاز كل هذه المتطلبات هو شخص واحد: الأم.
إلى تلك الأم التي تصل ليلها بنهارها ولا تجد دقيقة للاستراحة أو حتى استعادة طاقتها بعد مرض. وإلى تلك المرأة العظيمة التي تسعى لتلبية طلبات الجميع وتنسى نفسها..
إلى تلك الإنسانة الرائعة التي تستطيع أن تتجاوز آلامها وتعبها ومشاكلها وتجلس مع طفلٍ صغير ليناقشها بشأن أبسط تفاصيل يومه وتتحمل نوبات غضبه وانفعالاته بحبٍ وصبر..
وإلى تلك الإنسانة المعجزة التي تشعر دائماً بالذنب والتقصير على الرغم من أنها تبذل أفضل ما لديها وتستنفد كل طاقتها..
إلى تلك العظيمة التي تبكي في المساء بمفردها في الغرفة بعد انتهاء معركتها اليومية مع ذاتها للتمكن من الاستمرار والتضحية وبذل الذات، وتشعر بأنها لن تتمكن من تحمل المزيد بمفردها، ثم تنهض في اليوم التالي بإصرار وعزيمة كأن شيئاً لم يكن وتبتسم لأطفالها وزوجها وتكمل رسالتها العظيمة دون تذمر..
إلى تلك المرأة نفسها التي لا يرى الناس إنجازاتها العظيمة ويشيرون إليها بأصابع الإتهام عند أول خطأ صغير متناسين تاريخاً من التضحية بذلته بحبٍ وإخلاص..
وتحديداً إلى أمي التي أشعر بالخزي أحياناً لأنني أقف وأواجهها بأخطائها وأجرح مشاعرها وأنسى أنها لطالما تحملت أخطائي وساندتني ودعمتني وضحت لأجلي (ولو كان ذلك بأسلوبها الخاص).. وإلى جميع الأمهات اللواتي يعشن نفس مأساتها…
أنا أعتذر.. نيابة عني وعن المجتمع بأسره أعتذر.. عن كل يومٍ كنتِ تشعرين فيه أنكِ بحاجة إلى المساعدة وبدأتِ بالصراخ لأنكِ استنفدتِ كل طاقتكِ ولم يصغي إليكِ أحد ويمد لكِ يد العون أعتذر.. عن كل دمعة ذرفتها حين شعرتِ أن أطفالكِ وزوجكِ لا يقدرون جهودكِ وتضحياتكِ ويستخفون بكِ أعتذر.. وعن كل كلمة جارحة صدرت عن طفلٍ أو زوج جعلتكِ تشعرين أنكِ أفنيتِ حياتكِ سُدىً أعتذر.. عن كل لحظة شعرتِ فيها بالوحدة فيما كل مَن اعتبرتهم كل حياتكِ ومشغولين عنكِ بحياتهم الخاصة أعتذر.. عن كلمة قلتها دون قصدٍ للتعبير عن خيبة أو حزن أو خوف أو تعب ولم أسعى إلى فهم ما وراء سلوككِ وادعمكِ أعتذر..
أتدركون أمراً؟ الأمهات يحتجن أحياناً أيضاً إلى مَن يبحث عن سبب سلوكهن لمعالجة السبب عوضاً عن التركيز على المشاجرة على السلوك، تماماً كالأطفال. كل امرأة تحمل داخلها طفلة صغيرة كبرت سريعاً ووجدت نفسها تحمل مسؤولية أسرة قبل الأوان. كل امرأة تحتاج إلى الاهتمام أيضاً كالأطفال ولا تتمكن من التعبير عن تلك الحاجة بوضوح تماماً كالأطفال.
إلى كل أمٍ لم تجد مَن يفهم تلك الطفلة داخلها مجدداً أنا حقاً أعتذر.
سماح خليفة