درس أخلاقي لا يُنسى تعلّمته من ابنتي ذات الأربع سنوات
توجهت إليّ أميرتي الصغيرة مستعينةً بتلك النظرة الملائكية البريئة وسألتني بمنتهى اللطف “أمي هل أستطيع أن ألعب مع صديقي سام”.. كانت تتحدث عن ضيفنا الجديد “الهامستر” الصغير الذي منذ أتى إلى المنزل وهي تتعامل معه بلطف شديد وتتحدث إليه أيضاً.
أجبتُ بالنفي، فالوقت متأخر ويجب أن تخلد إلى النوم. لكن ردها كان غريباً إذ قالت “أمي، أنا لم ألعب مع سام اليوم، سيشعر بالحزن كثيراً إن لم ألعب معه”.
فاجأني ردها، لم يكن متوقعاً إطلاقاً. فهي تخاف على مشاعر هذا الهامستر الصغير كثيراً وتتعامل معه كأنه صديقها فعلاً. وافقت كي لا تظن أنني أستخف بأفكارها ومشاعرها البريئة، وسمحتُ لها باللعب معه لبعض الوقت.
كنتُ جالسة في هذه الأثناء، أنجز بعض الأعمال على الحاسوب. جلست على مسافة قريبة مني، كافية لكي أسمع حديثها الشيق الغريب مع ذاك الفأر الصغير. حملته بين يديها وقالت “آسفة صديقي، لقد تأخرتُ عليك، كنتُ أنجز فروضي المدرسية، لا تحزن، أنا لم أنساك، ها أنا أتيت كي نلعب معاً”.
التفتُ نحوها وأصبح كامل تركيزي في تصرفاتها وكلماتها. كاد يسقط من يدها فوضعت يدها الأخرى على رأسه وهي تواسيه قائلة “آسفة، لقد كدتَ تسقط، هل أنتَ خائف؟ لا تخف. أنا هنا”. حسناً بدأ الأمر يثير استغرابي حقاً.
رأتني وأنا أنظر إليها وقد كانت ملامح الذهول واضحة على وجهي، فاقتربت مني وهي تحمله وقالت “أمي، تعالي والعبي معنا”.
فعلياً لستُ أنا مَن أحضر السيد سام إلى المنزل لأجلها بل والدها، فأنا أخاف أن أحمله حتى. لم أشأ أن يكون ردي جارحاً بهذا الشأن، فأخبرتُها أنني مشغولة الآن، وأنني سأجد وقتاً للعب معهما لاحقاً. فنظرت إليّ وقالت “حسناً أمي، هلا اعتذرتِ من سام كي لا يحزن؟”.
فأجبتها دون أن أفكر في ردي “أعتذر منه؟”. أجابت “نعم أمي، لأنه سيظن أنك لا تحبينه، وسيشعر بالحزن إن لم تلعبي معه”. وافقتُ طبعاً واعتذرتُ من السيد سام وأخبرته أنني سألعب معه لاحقاً. ثم قالت ضعي يدكِ على رأسه هكذا كي تواسيه. فحاولتُ أن أتخطى خوفي من هذا المخلوق الصغير ووضعتُ يدي على رأسه.
هكذا تعلّمتُ درساً أخلاقياً لا يُنسى من ابنتي ذات الأربع سنوات ومن السيد سام. درساً علمتني إياه طفلتي الصغيرة التي كانت تسقط مشاعرها وأفكارها على ذاك الهامستر الصغير وتتصرف معه كما لو تود أن أتصرف معها. وهنا يجب أن أعترف أنني أحياناً لا أكون بهذا اللطف.
كما أنني أدركتُ فعلاً أن الحيوانات الأليفة تجعلنا نتعرف على الكثير عن أفكار أطفالنا ومشاعرهم وأخلاقياتهم. فالحيوان مخلوق ضعيف أمام البشر، والكثير من الأطفال يتعاملون مع الحيوانات بقسوة وعدوانية. كنتُ فخورةً بابنتي، فخورةً جداً بمدى لطفها وإنسانيتها مع ذاك الكائن الصغير الضعيف الذي أصبح عليّ أن أتدرب على تقبله لأنني لن أتمكن من التهرب منه إلى الأبد، ولأنني حتماً سأضطر إلى أن أجاريها وأنضم إلى مجموعتهما الصغيرة يوماً ما.
سماح خليفة
التعليقات مغلقة.