“أنت تتعبني”: جملة مدمرة مع أنها لا تبدو كذلك ظاهرياً

جملة مدمرة: يمكن لبعض الكلمات وبعض العبارات أن تسبب أضراراً، ليس لمن يسمعها وحسب بل لمن يتكلّم أيضاً، علماً أنها جمل نسمعها كل يوم ولا نوليها أيّ اهتمام يُذكر. فهذه الجمل هي طرق لتحريف الحقيقة وجعلها تقول أشياء لا تعنيها (في الواقع). نخترع أسباباً وتفسيرات، ونعتقد أننا نملك الأدلة لكنها خاطئة كلها (أو تقريباً كلها) إذا ما فكّرنا جيداً في الأمر. أن ندرك هذا هو خطوة كبيرة نحو تواصل أكثر لطفاً وأكثر فاعلية بشكل خاص.

السبب والنتيجة

عندما يحدث أمر ما، نبحث عن المسؤول. سواء أكان كأساً مكسورة أو خلافاً بين الأخ وأخته أو شعوراً يتملّكنا: الغضب، الإحباط، العجز… ونعتقد أن المسؤول ليس نحن بالتأكيد بل الآخر. هذا عمليّ أكثر، أليس كذلك؟

تتخذ هذه الجمل الشكل التالي: فلان تسبب بكذا. نسمّي هذا في البرمجة اللغويّة العصبيّة NLP تشويهات أو تحريفات، لأنها تحرّف الحقيقة.

  • أنت من يجبرني على أن أكون بغيضة! تجبرني على أن أعاقبك!
  • أنظر ما الذي جعلتني أفعله!
  • أنت تثير أعصابي، وتتعبني!
  • أنت تستفزني إلى أقصى حد! لم أعد أقوى على التحمّل.
استعادة القدرة (الحقيقيّة)

هذا الكلام لا يعطي عموماً النتيجة المرجوّة، وهذا غريب أليس كذلك؟ والولد الذي نكرر على مسامعه “أنت تتعبني” لا يتوقّف (بل على العكس من ذلك).

كما أنّ هذا يمنحه قدرة لا يتمتع بها فعلياً فاعلمي أنّ ما من أحد لديه سلطة عليك! (أمر لا يُصدّق، صحيح؟)

لا يقدر أحد أن يُغضبك ويثير أعصابك وأن يستفزّك أو أن يفعل أيّ شيء آخر. أنت وأنت وحدك من يمنح الآخرين هذه القدرة. يكفي أن تعرفي هذا لتشعري بالارتياح… والدليل هو أنك لا تقومين برد الفعل هذا في بعض الأحيان (بالتالي، هو ليس ردّ فعل آلي) أو أنك لا تقومين برد الفعل هذا حيال شخص آخر (إذن، الطفل لا يملك “هذه القدرة”).

أنا وأنا وحدي أقرر أن أغضب عندما يفعل أحدهم كذا أو كذا (حتى وإن لم يكن الأمر واعياً). وداعاً للشعور بالعجز! وداعاً للشعور بفقدان السيطرة على الأحداث! ولتحيا الحريّة!

premium freepik license
عدم تحميل المسؤوليّة؟

سيتملّك الولد الذي يسمع هذا شعور بالعجز التام. فنحن نوجّه إليه تهمة لا يمكنه أن يدافع عن نفسه بشأنها. فكلمته ستكون في مواجهة كلمتنا. وبما أننا نمثّل السلطة، فهو حكماً الكاذب. أرأيتِ؟ ثمة فوائد لدورك كأم (أنا أمزح بالطبع).

سيعلّمه هذا أيضاً أنه غير مسؤول عما يشعر به بما أنّ أمه نفسها ليست مسؤولة عما تشعر به. سيميل لاحقاً لأن يقول: “نلت علامة سيئة لأنّ المدرّس لا يحبني”… “ضربته، لكن الذنب ليس ذنبي فهو من أوصلني إلى هذا”.

وفي مرحلة لاحقة، نصل إلى: “أنا تعيس بسبب زوجتي، بسبب أولادي، بسبب عملي، بسبب المجتمع، بسبب الطقس…” يمكننا أن نجد الكثير من الأسباب لنبرر حالنا السيئة!… بعدئذ، تصبح عادة لدينا أن نصنع تعاستنا بأنفسنا، كما عبّر عن الأمر بيار واتزلويتش في كتابه: “أصنعوا بأنفسكم تعاستكم الخاصة وشقاءكم”.

تكمن المشكلة في أننا نحرم أنفسنا من إمكانية تحسين الأمور، طالما نحن نرفض أن نتحمّل مسؤوليتنا.

في حين أنّ جلّ ما يتطلّبه الأمر في أغلب الأحيان هو أن نفعل أيّ شيء آخر: “افعلوا أيّ شيء آخر!”

استعادة السيطرة

إنّ تحمّل المسؤولية لا يعني أن نشعر بالذنب فهذه أيضاً طريقة أخرى لئلا نغيّر شيئاً.

يمكنني أن أتحكّم مجدداً بما يجري في داخلي وأن أسيطر عليه عبر طرح هذين السؤالين على نفسي:

  1. “هل هذا الانفعال أو الشعور مفيد لي؟… هل يساعدني على التواصل؟”
  2. “ما هو الشعور الآخر الذي يمكن أن أختاره بدلاً منه ويمكن أن يناسب أكثر ما أريده؟”

يبدو الأمر سهلاً وهو كذلك. من قال إنّ عليه أن يكون معقّداً؟

التعليقات مغلقة.