اجعلوا أولادكم يبتسمون حين يتذكرون ملامحكم بعد أن تغيبوا

0

لحظات الماضي:

تلك اللحظات التي تمضي لن تعود. أولئك الأشخاص الذين يملأون أيامنا ضحكاً وحباً سيرحلون ذات يوم. أو ربما أننا سنرحل قبلهم. استغلوا كل لحظة، استغلوا كل التفاصيل، استغلوا أبسط التفاصيل. أمسكوا بيد من تحبون كلما أتيحت لكم الفرصة. وازرعوا الابتسامات أينما تحلون، واضحكوا، اضحكوا كثيراً، اضحكوا معاً حد البكاء. ابنوا ذكريات جميلة تجمعكم بهم، ابنوا ماضياً يتذكره أطفالكم ويقولون أمي كانت هنا، وعلمتني أنني أستحق الحب، أمي كانت هنا حقاً، كانت هنا بقلبها وروحها قبل جسدها. أبي كان هنا وعلمني كيف أستمر في المحاولة حتى لو فشلت وسأنجح.

اجعلوا أطفالكم يبتسمون حين يتذكرون ملامحكم بعد أن تغيبوا.

الماضي لا يموت، بل يستمر بالعيش في نفوسنا. وكلٌ يمضي قدماً وفق أحداث ماضيه. اجعلوه ماضياً يحتذى به، لا ماضياً يؤسف عليه.

وسامحوا، سامحوا واغفروا وتمسكوا ببعضكم البعض.سيأتي يوم تتمنون فيه لو لم يتملك الحقد فؤادكم. تتمنون لو رأيتم كل ما هو جميل فيمن كانوا هنا ورحلوا، وتغاضيتم عن كل ما هو سيء. سيأتي يومٌ وتتذكرون اللحظات التي أمضيتموها في جدالات فارغة، الأيام التي قررتم فيها المعاندة والتعالي واخترتم فيها الجفاء والبعد، وتبكون بحرقة نادمين. ستندمون على عدم استغلال تلك اللحظات لضمهم وشمهم والاستماع إليهم بحب وتفهمهم وتقبلهم كما هم.

فقط حين يرحلون ستتذكرون أنهم كانوا يستحقون فرصة. فقط حين يرحلون ستتذكرون أنهم تحملوا الكثير معكم ولأجلكم. هكذا هو الإنسان، لا يعرف قيمة الشيء إلا حين يفقده.

premium freepik license
سامحوا قبل فوات الأوان. قبل أن يأتي يوم لن تتمكنوا من مسامحة أنفسكم فيه لأنكم كنتم بهذه القسوة.

لا تحكموا على أحد، حاولوا ألا تحكموا على أحد. اتركوا الخلق للخالق وانشغلوا بأنفسكم. لا تقارنوا نفسكم بأحد، قارنوا نفسكم بنفسكم في الماضي.

واعتذروا إن أخطأتم. الاعتذار ليس عيباً. العيب هو أن تشتاق أرواحنا لمن نحب ونكابر. العيب هو أن نتركهم ينزفون ونحن نعلم أننا من غرس الجرح في قلبهم، ونكون أجبن من الاقتراب لمداواة الجرح. والعيب هو أن نملك الجرأة كي نخطئ ولا نملك الجرأة لتصحيح هذا الخطأ.

أنا عن نفسي سأسامحها، سأسامحها دون أن تدرك حتى أنها أخطأت. لطالما سامحتني على طيشي وعنادي وتهوّري وردود فعلي دون أن أطلب الصفح. ها أنا أستطيع رؤية الحنان في عينيها من جديد، هي تعبس وتدعي القسوة وفي العمق تخاف علينا حد الجنون. لا بأس إن لم تكن طريقتها سليمة، لا بأس إن لم تتمكن من إيصال الرسالة الحقيقية المرادة عبر تصرفاتها. لا بأس إن أسقطت مشاكلها النفسية عليّ وعاقبتني على ذنوب لم أرتكبها يوماً. هي أمي. إن لم أكن أنا من يتفهمها فمن سيتفهم؟ أنا ابتنها التي كانت تدافع عنها وتقود معركة ضد كل مَن يتجرأ على جرحها بحرف وهذا سأبقى. أنا ابنتها التي على الرغم من أنني أعرف أنها مخطئة سأستمر بالدفاع عنها. لديها عوضاً عن السبب ألف. لديها عوضاً عن المعاناة في طفولتها مئة. لا بأس. هي أمي.

هي أمي التي تكره فيّ ما ليس فيها، تكره فيّ ما لو تتمنى لو أنه فيها. تكره جرأتي وعنادي ومخاطرتي وعدم استسلامي للظروف ومجادلاتي اللامتناهية وعدم رضوخي للظلم، لأنها لطالما استسلمت لخوفها وصمتها وحزنها وللظروف. بدأتُ أفهم لِما تراني مخطئة دائماً، لأنني أعكس كلما تخاف منه، كلما تتمنى أن تكونه ولا تستطيع. والدليل أنها دائماً حين تراني منتصرةً في النهاية تبتسم.

أنا أعلم أنها في قرارة نفسها تفتخر بي. لكنها ترفض الاعتراف بأني على حق. فاعترافها هذا يعني أنها لطالما كانت على خطأ. ليس سهلاً أن تقرر هدم أسلوب حياة بأكمله والتغيير، الأسهل طبعاً هو الاستمرار في الطريق الخطأ. إنه الفارق بيني وبينها، منذ طفولتي وأنا أكره الطرق السهلة وأختار الطريق الصعب.

سأذهب غداً وأسكب لها طبقاً من الطعام، وأجبرها على تناوله لأنها تنسى أن تتناول الطعام لأجلنا.. كما كنتُ أفعل. سأذهب وأتغاضي عن كل انتقاداتها ونتحدث عن أحداث مسلسلاتنا التافهة ونضحك كما كنا نفعل. سأذهب وأنشر الفوضى في منزلها وأضحك وأخبرها مجدداً أن الفوضى تولد الإبداع ونتجادل كثيراً ثم أغمرها وأقبلها فتضحك… كما كنتُ أفعل.

سأذهب غداً وأنا أحمل في قلبي لها الكثير من الحب كما كنتُ أفعل… قبل فوات الأوان.

سماح خليفه

اترك رد