العلاقة المتوترة بين الطفل وأمه تجعله يفقد الثقة بالآخرين ويكوّن صورة مشوهة عن الحب

العلاقة المتوترة بين الطفل وأمه:
لطالما تساءلتُ عن سبب عدم ثقتي بالناس، ولطالما انتابني خوفٌ من خوض أي علاقة جديدة من أي نوعٍ كانت. كنتُ أضع أسوأ الاحتمالات والظنون، ولا أصدق الناس من حولي حتى الخيّرين منهم.

كان لدي شعور دائم بأن خلف كل معاملة جيدة أهداف مادية، وكانت كل علاقاتي تصل إلى نهايات مزرية بسبب ذلك الشعور.

كنتُ أتوقع الأسوأ فعلاً وأنتظره، والآن فهمتُ أنني كنتُ أيضاً أختلقه. نعم أنا الشخص الذي كان يدمر دائماً كل شيء دون أن يقصد، وقد دمرت معظم الأشخاص الذين أحببتهم وأحبوني بصدق. وانتهيت بلومهم على كل شيء.

الآن فهمتُ أنني أنا مَن كان السبب.. كنتُ أحمل دروعاً دفاعية باستمرار وأضع حواجز مفاجئة وأنسحب بشكلٍ سريع وأفقد الثقة عند أول خطأ حتى لو كان عن غير قصد. وكنتُ متمسكة بأولئكَ الأشخاص في أعماقي، ولكنني كنتُ فعلياً أتخلى عنهم بسرعة كبيرة جداً ولا أتيح لهم فرصاً جديدة خوفاً من صدمات جديدة.

كنتُ أدمرهم وأدمر ذاتي. لطالما كانت مشاعري عكس تصرفاتي. لطالما كنتُ أتمنى أن أعطيهم المزيد من الفرص، أن أختلق لهم الأعذار، أن أعيد الود بيننا، لكنني كنتُ أشعر بعجز شديد بكبلني ويمنعني حتى من الإصغاء إليهم. كنت أعلم أن هناك حاجزاً مفاجئاً يرتفع ليقف بيني وبينهم، ظننتُه حينها حاجز غضب ونقمة، واكتشفتُ مؤخراً أنه حاجز الخوف.

بعد انتهاء أي علاقة كنتُ أجلس مع ذاتي على انفراد وأكرر لها “أترين؟ ألم أخبركِ؟ كل الأشخاص من حولنا سيئون! ألن تتعلمي ألا تثقي بأحد؟ كفي عن التعلق بالناس، التعلق غباء والحب ضعف يستغله الآخرين فينا..”

واليوم بعد أن عانيتُ كثيراً من صراعٍ بين حقدٍ وندم وحبٍ وكره وتعلق وجفاء… فهمتُ السبب. لقد كنتُ أرى كل الناس أمي. كيف لطفلةٍ كبرت في جوٍ من التوتر والقلق، كانت فيه آخر أولويات حبها الأول والوحيد “أمها” أن تفكّر؟ كيف لطفلةٍ كانت ولا زالت تبحث في عيني أمها عن نظرة اهتمام وحب وعطف ولم تجدها أن ترى الأمان في عيون الناس؟ هو سببٌ آخر يجعلني أكره النظر في عيون الناس بشكلٍ مباشر، أنا لا أثق بهم، أنا لا أصدق كلماتهم، أنا لا أشعر بالأمان في وجودهم.

في السابق قرأتُ مقالاً عن الطفل الداخلي، وتمكنتُ من العودة بالزمن والتحدث مع الطفلة داخلي وحين سألتُها عن سبب بكائها وعما تحتاج إليه، أجابت بوضوح “الأمان”.

كان وما زال هناك شعورُ بانعدام الأمان يرافقني، الشخص الذي كان من المفترض أن يكون ملجأي الأول كان نفسه الشخص الذي ينتقدني باستمرار ويعتبرني عبئاً ثقيلاً. لم يكن لدي ملجأ، كنتُ مشتتة مشردة أتخبط مع ذاتي طيلة الوقت دون أي تفسيرات واضحة لما يدور من حولي. فهمتُ العالم بطريقتي الخاصة وبأسلوبي الخاص، فهماً خاطئاً جداً وغير منطقي مبني على تجربة شخصية موجعة.

والكارثة أنني أعلم أنها تحبني، لا يوجد أم لا تحب أطفالها. فبالنسبة لأي طفل مرادف كلمة حب.. قلب أمه. لكنها مع الأسف شوهت مفهومي عن الحب تماماً.

اليوم عرفتُ أن ليس كل الكون أمي، الكون قد يحمل شيئاً من طيبة أبي، وبراءة طفلتي، وتفاني أختى، وحنان جدتي.. الكون ليس دائماً بخطورة تلك العلاقة المشوّهة المتوترة، الكون ليس عبارة عن قوي وضعيف، متنمر ومستسلم للتنمر، مُسيطر ومُسيطر عليه. الكون ليس بأسره مريض، هناك أجزاء سليمة فيه ولكنني أنا مَن كنتُ أختار نفس العلاقات المرضية المألوفة بالنسبة إليّ، لأنها تشبه ما أراه حباً، تشبه قلب أمي.

التعليقات مغلقة.