إلى أبي الذي خطفه الموت مني: آسفة.. لن أستطيع اليوم أن أكون قوية
إلى أبي الذي خطفه الموت مني: آسفة.. لن أكون اليوم قوية:
إستيقظتُ من النوم وفكرة واحدة تسيطر على تفكيري: كوني قوية.
حضرتُ أطفالي قبل الخروج وأنا أبتسم لهم وألاعبهم وفكرة واحدة تسيطر على تفكيري: كوني قوية.
خرجتُ من المنزل وشعورٌ قصريٌ باللاأمان يُداهمني، وصعدتُ مجدداً لأتأكد من أنني أغلقتُ باب المنزل جيداً. كنتُ أتعامل مع أطفالي كأنهم بخطر. دخل الأطفال إلى منزل والدتي وفكرة واحدة تسيطر على تفكيري: كوني قوية.
ذهبتُ إلى العمل، بدأتُ بإلقاء التحية مع الإبتسامة المعهودة الخالية من المشاعر (رغماً عني). وما زالت فكرة واحدة تسيطر على تفكيري: كوني قوية.
جلستُ أمام حاسوبي، لأبدأ العمل. وضعتُ سماعاتي ورفعتُ صوت الموسيقى، ثم لاحظتُ أن الصوت يجب أن يكون أعلى ثم أعلى ثم أعلى. لا بد من أن أسيطر على الأمر. لا بد من يصبح صوت الموسيقى أعلى من صوت أفكاري. ولا شك بأن الفكرة التي تراودني منذ الصباح ما زالت تراودني.. بل ما زلتُ أفرضها على نفسي: كوني قوية.
فتحتُ هاتفي وجدتُ أعز صديقة على قلبي تحدثني في وقتٍ مبكر لم تعتد أن تكلّمني خلاله. لعلّها تشعر بي. أغلقتُ الهاتف دون أن أقرأ كلماتها حتى.. ما الفائدة؟ لا فائدة من كل هذا. يجب أن أنشغل قدر المستطاع، يجب أن أسيطر على الوضع، يجب أن أكون قوية.
إلى أن فتحتُ الفيسبوك لا لشيء سوى لإتمام عملي، فجزءٌ منه يتضمن العمل على مواقع التواصل الاجتماعي. وها هي صور الأصدقاء مع آبائهم تتناثر هنا وهناك. تجاهلتُ الأمر والفكرة نفسها تسيطر على تفكيري: كوني قوية.
ثم رأيتُ هذه العبارة لدى أحد أصدقائي يقول فيها “كلُّ عام وحِذاء أبي أمام باب البيت أمان”.. هل ما زال لدي طاقة وقدرة للسيطرة على الوضع؟ ربما أستطيع التحمل أكثر.
خانة الذكريات
إلى أن رأيتُ ذاك المنشور الذي يظهر في خانة الذكريات، في مثل هذا اليوم منذ سنة كتبتُ لأبي في عيد الأب “ويبقى الأب أوفى حبيب لابنته.. حتى لو أحبها أهل الأرض جميعاً”. وقرأتُ تعليقه تحت الصورة التي تجمعنا “أنا أعيش لأجلكم..” تليها عبارته المعهودة “لأجلي يا ابنتي كوني قوية”.
حسناً لم يعد بالإمكان السيطرة على الوضع. آسفة أبي لن أكون اليوم قوية كما وعدتكَ. أبي سأخبركَ بأمر.. يقولون أنني قوية.. هذا ما كنتُ أظنه.. إلى أن فقدتُكَ. الآن لم أعد أذكر كيف كنتُ أحارب، كيف كنتُ أواجه، كيف كنتُ أصمد أمام كل الظروف وأجتاز الحزن والألم والتعب والخوف.. بلى أعرف، كنتُ أجتاز كل شيء معك.. الآن أصبح كل شيء يخيفني ويحزنني.. كنتَ مصدر قوّتي دون أن أعلم.. علّمتني كل شيء.. إلا كيف أكون قوية دونَك.. سامحني أبي لم يعد بإمكاني أن أكون قوية..
كل عام وأنتَ في قلبي.. كل عام وأنا لم أعد بخير من دونكَ
إن أعجبتكم هذه القصة من موقع التربية الذكية.. لا تترددوا في نشرها.
سماح خليفة