ابقَ مكانك! لا تتحرك!

0

” ابقَ مكانك! لا تتحرك!”
لا, هذا ليس شرطيّاً يلقي القبض على مجرم. انها أمّ تعطي الأوامر لطفلها البالغ من العمر حوالى السنتين كأقصى تقدير.

دعوني أشرح لكم ما حصل لتحكموا بأنفسكم, علّني أعيش في عالمٍ من المثاليات غير الموجودة, كما يتردّد دائماً على مسمعي.

كنت أشتري بعض الملابس من قسم الأطفال في أحد مراكز التسوق. من المفترض أن يكون التسوق مريحاً للأعصاب, لهذا تحبّه معظم النساء.

و لكن ليس في قسم ملابس الأطفال, لأن بعض الأمهات يأتين مصطحبات ليس فقط أطفالهن ولكن نقمتهن و غضبهن واستياءهن من كل شيء في الحياة أيضاً.

“أحمد تعال الى هنا”, “رامي اذهب واجلب أخاك الصغير” للملاحظة رامي عمره لا يمكن أن يتعدى الست سنوات فيأتي رامي بأخيه الصغير وهو سعيدٌ لأنه كان طفلاً مطيعاً… ثمّ سمعت صوت صفعةٍ, لو سمعتموها لاعتقدتم أنّ هناك ثأراً شخصيّاً بين الطرفين. التفتّ لأرى من الذي صفَع و من الذي انصفع, ماذا حدث؟

لم أستطع أن أجد الشخص المصفوع, أين ذهب؟ هل رحل؟ عرفت من صوت البكاء أنه طفلٌ صغير, وجدته خلف العامود صغيراً يقف أمامه وينوح بالبكاء من الألم. و أخاه يقف بجانبه غير مبالٍ وطبعاً لا يُلام على ذلك, يبدو أن هذا أمرٌ طبيعيٌّ في ديناميكية هذه العائلة.

و لكن الطفل ذا السنتين ما زال طبيعيّاً, فهو يبكي عندما يشعر بالألم والاهانة كأيّ طفل آخر.

“اسكت! لا أريد أن أسمع صوتك! ألم أقل لك لا تتحرك من مكانك وابق بجانبي دائماً! توقف عن البكاء الآن!”

و أكملت التسوق بشكل طبيعيّ جداً…

أردت أن أشرح لها أنه صغيرٌ جداً, ولا يمكنك أن تتوقعي منه أن يمشي خلفك طوال الوقت دون أن تُلهيه الألوان أو الموسيقى أو حتى الأطفال الآخرين. إما أن تمسكي بيده وإما أن تأتي مع شخص بالغ آخر لكي يهتم به عندما تتسوقين.

ولكن قبل أن أقول أيّ شيء أتى ثلاثة أطفال آخرين: فتاة في حوالي الحادية عشرة من عمرها وصبيّان أصغر منها…

خمسة أطفال في مركز التسوق, مع أمهم فقط…

كنت منذ لحظات أشفق على الطفل والآن أصبحت أشفق عليها. كيف تتوقع أن تسيطر على خمسة أطفال في مركز تسوق وحدها, من الواضح أنه بينها و بين الانهيار العصبيّ موقفٌ أو موقفين آخرين من هذا النوع و ستنفجر!

انّه لمن الظلم للأم و لأطفالها أن تنجب عدداً كبيراً من الأولاد اذا لم يتوفر لها وسائل الدعم اللازمة: كمشاركة الأب, دعم الجد و الجدة, مساعدة الخالة أو الخال, العمة أو العم.

من أوهم المرأة بأنها ستستطيع فعل كلّ شيء و أيّ شيء عندما تصبح أمّاً؟

لكل شخص طاقة تحمّل, واذا وجدت بأنك كأمّ بدأت تفقدين السيطرة في بعض المواقف, فهذا يعني بأن قدرة تحملك شارفت على الانتهاء وعليك أن تتوقفي فوراً. لن تستقيلي من دور الأمومة طبعاً, و لكن يمكنك أن تأخذي استراحة. لا عيب في أن تأخذي يوماً من الراحة. فليبقَ الأطفال مع والدهم أو الجد والجدة, الخالة أو العمة… و في هذا اليوم اذهبي الى صديقتك المفضلة وفضفضي لها عن مشاكلك, أو اذهبي الى النادي الرياضي وفرغي طاقتك السلبية, أو مارسي هوايتك أيّاً كانت.

ليست هذه أنانيةً و هي أفضل بكثير من صراخك في وجه طفلك على الأشياء التافهة.

من قال إنّ الأمومة تأتي بالغريزة؟

وإنّ الأم ستتعلّم تلقائيّاً مع الوقت؟ ربما هذا صحيحٌ مع عدد قليل من الأمهات ولكن ليس جميعهنّ و الأطفال ليسوا حقل تجارب. هنالك معايير لا يمكن التنازل عنها في تربية الأطفال. اذا وجدت أنك لا تبرعين في دور الأم, تعلّمي و ثقّفي نفسك. غريزة الأمومة سوف ترشدك ولكن لن تستطيع الاجابة عن كلّ التساؤلات.

اذا وجدت أن هناك أشياء لا تستطيعين فعلها وحدك, اطلبي المساعدة. لا تدعي الآخرين يوهمونك بأنك أمٌّ فاشلة بمجرّد أنك تسألين أو تقرأين عن بعض الأمور التي تحيّرك.

أخيراً, ما زلت لا أستطع أن أنسى أن ذلك الطفل لم يجد في حضن أمه الحنان والمواساة حين كان يبكي بحرقة. فأين سيجدهما والأمّ قد استنفدت كلّ ما لديها من مشاعر و تحوّلت الى آمر السجنٍ، تنفّذ ما عليها أن تقوم به من واجبات كالرجل الآليّ.

زينة خليفة

اترك رد