الولد الذي يقول لنا “لا” يدفعنا إلى الابداع
مما لا شك فيه أننا نستطيع دوماً أن نلجأ إلى العنف لنحصل على السلوك الذي نرغب فيه من الطفل. إنما، هل هذا هو نوع العلاقة التي نريد بناءها؟
وهل هذا هو التصرّف السليم والصائب بعد أن عرفنا ما يكمن خلف رفض التعاون هذا؟ هل نرغب حقاً في أن نخنق رغبته في التميّز وهي لا تزال في مهدها؟ رغبته في الاستقلالية؟ هل هدفنا هو أن نجعله يعتبر حاجاته غير مهمة؟
عندما لا يريد الطفل أن يتعاون، فثمة ألف طريقة وطريقة لطيفة لنتصرّف.
يمكننا أن نتساءل أولاً عما إذا كان طلبنا هاماً. فنحن نصرّ أحياناً على موضوع ما ونعاند علماً أنه ليس بهذا القدر من الأهمية بالنسبة إلينا!
إذا أصبحنا واعين لمثل هذا الوضع، نكون قد اكتسبنا درساً جيداً حول تكيّف عقولنا…. وتجاوز الأمور وتركها. أتذكّر على سبيل المثال أنني طلبت آلاف المرات من ابني البكر ألا يطلع على الكنبة قبل أن أدرك أنني لا أرى في الواقع مشكلة كبيرة في ذلك. كنت أطلب منه ذلك من منطلق التقليد ومن دون إدراك. ومنذ ذاك الحين، أحاول أن أسأل نفسي كلما أردت أن أطلب منه شيئاً: هل هذا مهم فعلاً بالنسبة إليّ؟ هل فعلاً هذه المسألة لا تقبل النقاش؟
إن كان الطلب غير قابل للنقاش أو التفاوض… إذن، فلنتحلى بمخيّلة واسعة!
هل الوضع التالي يعني لكم شيئاً؟ “ارتدِ معطفك قبل أن تخرج.” “لا أريد، فأنا لا أشعر بالبرد”، “حسن، لكنك تدرك يا حبيبي أنها تمطر ويجب أن ترتدي معطفك وإلا فسوف تتبلل.” وهنا يبدأ الطفل بالصراخ ويعبّر عن غضبه وحنقه بالتمرّغ أرضاً. وهذا السلوك يجعلنا نتوتر أكثر ونفقد أعصابنا! نعم، لكننا خصصنا القليل من وقتنا الثمين كي نشرح له.
إنّ الشرح وتقديم الحجج والكلام بلغة العقل والمنطق لا ينفع أحياناً، بل يؤدي إلى حوار طرشان لأن الحاجات لم تحدد وغرقت تحت فيض من الأفكار المنطقية.
لماذا إذن لا نعتمد أساليب مسلية ومجدية أكثر؟
الجأوا إلى اللعب: “هل تعتقد أنك قادر على أن ترتب أحذيتك في أقل من 30 ثانية؟”
أو إلى الفكاهة والدعابة: “آهههه، لا لا لا، أحدهم نسي أن يضعني في غسالة الصحون، وتركني وحيداً على الطاولة” (على حد قول الطبق القذر)
أو اقترحوا عليه خيارات: “هل تريد أن نخرج الآن أم بعد 20 دقيقة؟”
باختصار، لا بد أنكم فهمتم الفكرة. لا تخشوا أن تكونوا مبدعين، أن تقلدوا الأصوات أو أن تتخذوا وضعيات غريبة عجيبة، وأن تتركوا لولدكم بعض الاستقلالية في اتخاذ القرارات.
هيا، اعترفوا أنكم أنتم أيضاً وضعتم يوماً ما لباساً داخلياً على رأسكم كي تدفعوا طفلكم إلى ارتداء ملابسه.
تحتاج المسألة إلى بعض التدريب كي تصبح تلقائية. وفي بعض الحالات، ثمة موانع تحول دون لجؤونا إلى هذه الأساليب. فأنا ألاحظ على سبيل المثال أني أجد صعوبة أحياناً في اعتماد اللعب لأني أريد وحسب أن تسير الأمور على ما يرام من تلقاء نفسها، من دون أن أضطر لبذل الكثير من الجهد. فجزء مني أيضاً يعتقد أنّ “الحياة مقيّدة” وأنّ علينا أن “نتعذب ونتعب” لنتعلم، وأننا إذا لجأنا طيلة الوقت إلى اللعب والفكاهة سنفقد مصداقيتنا كلها.
باختصار، تلك النماذج من الأفكار التي تحدّنا وتقيّدنا!
لكن المسألة هي العكس تماماً. فاعتماد الفكاهة او اللعب يسمح بتعزيز علاقتنا مع أولادنا وذلك التواطؤ بيننا. وهذا السلوك يجعلهم ينظرون إلى المهام اليومية كمصدر فرح وتفتّح وليس كقيد مفروض وضغط وسبب للانفعال. وهكذا، يكتسب الطفل السلوك الذي نتوقّعه منه في جو من الفرح والمرح وليس عن طريق اجباره واخضاعه!
إذن، من الجميل في نهاية الأمر ألا يكون أولادنا متعاونين (على الدوام)، أليس كذلك؟