لِمَ دفعني يا أمي؟
بدأت عطلة الأسبوع. إنه يومٌ لطيف لاصطحاب الأطفال إلى الحديقة. ارتدينا ملابسنا وجهزنا أغراضنا وانطلقنا. كل شيء كان على ما يُرام إلى أن قام طفلٌ يبلغ من العمر حوالي ٧ سنوات بدفع إبنتي ليصعد قبلها على الزلاقة.. وطبعاً بما أنني من الأمهات اللواتي يبالغنَ في حماية أطفالهن (كما يصفونني)، كنتُ بالقرب منها، فأمسكتُها قبل أن تقع. واستدرتُ نحوه بسرعة وأمسكتُ يده قبل أن يصعد، وقلتُ له إنه دور إبنتي، فصرخ غاضباً غير مكترثٍ لفارق العمر بيننا “أفلتي يدي”.
فنظرتُ إليه بجدية وقلتُ له بهدوء محاولةً السيطرة على غضبي “في المرة المقبلة توخ الحذر، كدتَ توقع إبنتي”، فأجابني “لا يهمني”. فاستشطت غضباً وسألته عن المكان الذي تجلس فيه والدته. ما كان منه إلا أن أفلتَ يدي وركض غير مبال وهو يضحك.
بدء عملية الاستجواب
وقفتُ أمام ابنتي التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات لأرى ردة فعلها، لقد كانت تراقب ما يحصل. بدأت تنظر إليّ تلك النظرة التي تحمل حيرةً وذكاءً وقلقاً في الوقت نفسه. وعرفتُ أن هناك استجواباً على وشك أن يبدأ.
حسناً ماذا عساي أن أجيبها، وأنا أحاول جاهدةً تعليمها كيفية التعامل مع الآخرين برقي وطيبة وتعاطف واحترام. كيف سأفسّر لها هذا المشهد الذي لا يشبه المبادئ التي أربيها عليها؟ والأهم من ذلك، ماذا لو لم أكن بالقرب منها؟ كيف ستتمكّن من الدفاع نفسها في وضعٍ كهذا؟
انحنيتُ نحوها وغمرتها بلطف، وقلتُ لها ما رأيكِ أن نجلس قليلاً ونتحدث. فأومأت برأسها.
جلسنا على المقعد ودار بيننا هذا الحوار:
- أمي لِمَ دفعني ذلك الطفل؟ لقد كان دوري، ألم تقولي لي إنه علي أن أنتظر دوري حين ألعب مع أختي الصغرى؟
- طفلتي الصغيرة، عليكِ أن تعلمي أن بعض الأشخاص لا يلتزمون بالقواعد. لكن هذا لا يعني أننا لا يجب أن نلتزم بها نحن.
ثم بدأت الأسئلة تزداد تعقيداً. فسألت: - ولماذا لا يلتزمون بها يا أمي؟
- حبيبتي، بعض الأشخاص لا يدركون أهمية القواعد في حياتنا.
فنظرت إليَ وقد اغرورِقَت عيناها بالدموع خلال لحظات، وهي تصرخ: - ولكن لِمَ دفعني هكذا؟ أنا لم أفعل له شيئاً؟
فمسحتُ دموعها وكنتُ أعلم أنها خافت لكنها كانت تحاول إخفاء مشاعرها. وقلت: - في عالمنا هذا هناك أشخاص جيدون وأشخاص سيئون. لا تحزني إن التقيتِ بأشخاص سيئين، هذا ليس ذنبكِ إن كانوا هكذا. ربما لديهم أسبابهم. المهم هو ألا نسمح لهم بإيذائنا.
فأجابت بطيبة: - لكنه أكبر مني. كيف سأمنعه من دفعي؟ انا صغيرة جداً.
غمرتها ضاحكةً وقلت: - لهذا السبب ماما هنا. لا تخافي سأبقى بالقرب منكِ إلى أن تصبحي كبيرة جداً وتتمكني من الدفاع عن نفسكِ.
ثم عادت الضحكة إلى وجهها الصغير، وأكملنا يومنا.
لم أستغرب حين رأيتُ والدة الطفل أثناء خروجنا من الحديقة، وهي توبخه وتضربه. هذا ما توقعته مسبقاً. فالعنف يولَد من العنف. تلك العدوانية المتواجدة في شخصية ذاك الطفل لم تأتِ من عدم. فالأهل لن يحصدوا سوى ما زرعوه. إلا أن المشكلة تكمن بأن مَن يحصد ليس الأهل وحدهم.. بل مجتمع بأسره.