ما تحتاج الأم المغتربة أن تسمعه منكم
الأم المغتربة
كانت حرارتها مرتفعة، أخبرها الطبيب أن عليها أن تستريح، لكن كيف لها أن تستريح وطفلتها الصغيرة تحتاج إلى تناول الطعام، لا حل بديل، يجب أن تنهض. وكيف لها أن تستريح وابنها يحتاج إلى مَن يقلّه إلى مسابقة السباحة في النادي الذي تفوّق فيه، سيحزن حتماً إن لم يتمكن من المشاركة والفوز، لا حل بديل، يجب أن تنهض. وماذا عن طلبات أولادها التي لا تنتهي، طبعاً لا بديل أيضاً، لا بدّ من أن تنهض.
جلست تبكي مرهقةً متعبةً محطّمة من الداخل والخارج، تتذكر حديث صديقتها التي تعيش في أرض الوطن: أرسلتُ أطفالي إلى منزل والدتي اليوم، فأنا مرهقة وأحتاج إلى القليل من الراحة. ثم تذكّرت أن لا وقت حتى للبكاء، لا بديل.. عليها أن تنهض.
هي مأساة تعيشها الأمهات في بلاد الغربة، مأساة حقيقية، لا يتحدّثن عنها لأهلهن كي لا يشعروا بالحزن حيال وضعهن ويقلقون عليهن. ولا يتحدثن عنها لأزواجهن كي لا يشعروا أنهن ضعيفات وغير قادرات على تحمّل المسؤولية.
يظن الجميع أنهم بخير، حياة مترفة بعض الشيء وكل المستلزمات المادية متوفرة. لا أحد يعلم حجم الأزمة التي يعشنها، حجم النقص العاطفي والحاجة إلى الأهل والدعم والإهتمام. وربما الحاجة فقط إلى بعض الراحة.
كنتُ أتحدث عن صديقتي، تلك المرأة القوية الصامدة رغم كل الظروف، التي لا تتوفر لديها ميزة وجود البديل ولو لبعض الوقت. وجود أم أو أخت أو صديقة تساندها إن احتاجت لبعض المساعدة. وجود أحدٍ يعتني بابنتها في أولى فترات الولادة غير زوجها. ووجود أمٍ تبقى بالقرب منها وتقول لها “استريحي قليلاً، أنا هنا، أنا سأهتم بطفلتك”.
أتدركون أنهن يفتقدن إلى أهلهن في كل المناسبات؟ أعياد ميلاد أطفالهن، أعيادهن، وكل المناسبات الرسمية. يدمع قلبي حين أذكر أنها اضطرت أن تلد دون وجود أختٍ أو أمٍ بالقرب منها.
الأم المغتربة هي حقاً نموذج المرأة القوية المستقلة الصامدة بوجه التحديات.
مَن لديه إبنة أو أخت أو صديقة أسست أسرة بمفردها في بلاد الإغتراب. إليكم بعض ما تحتاج إليه ولا تخبركم به:
- التواصل: الحياة مليئة بالمشاغل، نعلم ذلك. لكن المغترب يشعر ببرودة قلة التواصل أكثر من المتواجد بالقرب منها. يقع ثقل الوقت على قلبه، دون سماع صوت مَن يحبهم لفترة، كثقل همومكم الكبيرة في أرض الوطن. تراوده عشرات الأفكار والأمر ليس بيده “أمي لم تتصل بي اليوم، لم ترد على هاتفها، هل هي مريضة؟ هل أصابها مكروه؟ هل لم تعد تهتم بأمري؟”.. نعم إلى هذا الحد فالمسافة الفاصلة بين المغترب وأهله موجعة جداً ومقلقة. تواصلوا مع ابنتكم كل يوم، قدر المستطاع. اجعلوا ذلك أولوية، هي تحتاج إلى ذلك حقاً.
- التقدير: هن يعلمن أنهن رائعات، يعلمنَ أن ما يقمنَ به خارق، ويتحملن المسؤوليات المرمية على كاهلهن اتجاه أسرتهن وأطفالهن بمحبة دون شكوى وتذمر. لكن المرأة المغتربة تحتاج إلى الدعم أيضاً، تحتاج إلى بعض الكلمات الداعمة “أنتِ رائعة. أنتِ أم مميزة. أنتِ قادرة على إنجاز هذا الأمر لا تقلقي. أنا أثق بأنكِ ستنجحين بإتمام هذه المهمة كما تفعلين دائماً..”. إن كان الدعم الحقيقي غائباً فلديكم الدعم المعنوي متوفر على الأقل.
- الإهتمام الصادق: فقط الإصغاء. إذا اتصلت بك ابنتك المغتربة، دع كل شيء وأصغِ إليها. إذا أرسلت لك صور ابنتها في أول يوم مدرسة، أثنِ على ترتيب الملابس وابتسامة الطفلة وجمالها. دقق في النفاصيل وأظهر الإهتمام الكامل.
- التحدث بإيجابية – عدم بث الطاقة السلبية: إذا اتصلت بكِ ابنتكِ تشكو من ان يومها كان مرهقاً وأخفقت في تحضير وجبة صحية لأطفالها وتأخرت في توصيل ابنها إلى النادي أو المدرسة، ونسيت الطعام على النار وأحرقته. إياكِ واللوم أو استخدام هذه العبارات “حين كنتُ في سنكِ كنت أقوم بكل شيء بمفردي ولا أخفق – كان عليكِ أن… – لماذا لم…”… قولي لا بأس، سيكون اليوم أفضل. أو اصمتي. آخر ما تحتاج إليه في هذا الوقت، أثناء جلوسها وهي تبكي بمفردها بعد أن نام أطفالها، المزيد من الطاقة السلبية.
سماح خليفة