متى تصبح الأم لعنة بنظر أولادها ؟
“أتذكّر طفولتي بوضوح. أعلم أنّ أمي كانت تتصرّف بعصبيّة في معظم الأحيان عندما أطلب منها شيئاً ما. إذا طلبت منها أن تشتري لي لعبة على سبيل المثال، تجيبني “لا تحلمي حتى بذلك”. أتعلمون، كنت أحبها لكني لاحظت أنّ حاجاتي مجهدة بالنسبة إليها. وكنت عبئاً عليها لأنها تريد أن تهتم بنفسها وحسب. عندما يتوجّب عليها أن تساعدني في واجباتي المدرسية، كنت أشعر بغضبها الشديد لأنها مضطرة لأن تساعدني على تعلّم القراءة والكتابة. وعندما أناديها لأني أعاني من الحمى، تتهمني بالكذب. أنا لا أمزح، كان من الصعب عليها أن تُضطر للاهتمام بي أو لاصطحابي لزيارة الطبيب.
إذا ما تجرأت على الكلام في وجود أيّ ضيوف، كانت تضربني غالباً على فمي لأنني أمنعها أنا الطفلة من أن تختلط بضيوفها وتتبادل الأحاديث الاجتماعية معهم. بالتالي، ظهر لديّ رهاب من تناول الطعام أمام الآخرين وخوف من التجمّعات والمناسبات العامة.
وأخيراً، أدركت ذلك.
كنت أشعر في الأساس، ومنذ طفولتي، أنّ ثمة خطب ما، وأنّ عليّ أن أكبت حاجاتي أو أكتفي بالحد الأدنى منها، لأني اعتقدت أن الأمور تسير على هذا النحو وأنّ الأمهات هنّ هكذا. كنت أشعر بالذنب لأني موجودة ولأنّ لديّ حاجات.
عندما وصلت إلى سن البلوغ، راحت تتحكّم فيّ كثيراً. كانت تقف أمام باب غرفتي وتستمع إلى أحاديثي مع أصدقائي حتى وإن لم نكن نتبادل أيّ أحاديث غير لائقة.
كانت تكره أصدقائي كلهم فعانيت من صعوبة في ايجاد الرفقة. إذا دعوت أصدقائي إلى المنزل، كانت تعمد إلى اسماعهم كلاماً قاسياً فامتنعوا تماماً عن زيارتي. لم يكن مسموحاً لأحد أن يزورنا سوى أصدقائها. بالتالي، عزلتني عن الآخرين ولم أكن أنا أدرك ذلك حتى.
كانت تتحدث عني في الحيّ وكأنني حثالة وتقدّم نفسها للناس كأم مثاليّة.
بالتالي، كلما حاولت أن أشكو حالي لأحد المقرّبين لم يصدقني لأنّ أمي حافظت على قناع أو واجهة تظهر بها أمام العالم الخارجي. إنه قناع الأم العطوف التي تراعي عائلتها.
اعتادت أن تقول لي دوماً إني فاشلة وقبيحة وصعبة المراس وشريرة. وفي سن السابعة عشرة تقريباً، عندما أصبح لديّ حبيب نعتتني بالعاهرة.
كانت تهينني عندما أعود من السهرة في وقت متأخر. وحاولت بسببها أن أنتحر مرتين. في المرة الأولى، لأنها تجاهلتني لأيام وكانت تشتمني بأبشع الألفاظ إذا ما طلبت منها شيئاً ما.
في الواقع، كانت حينها تواجه مشاكل في زواجها مع أبي وكان وجودي يزعجها فضلاً عن أسئلتي فحاجاتها ومشاكلها هي الأهم في حين أن حاجاتي يجب أن تُكبت.
ولم تقم حتى بأيّ رد فعل عندما تناولت تلك الكمية من المهدئات كي أُسكت الألم الذي في داخلي إلى الأبد. وما كان الألم ليموت إلا بموتي أنا. هذا ما شعرت به.
من ناحية أخرى، أتساءل عما إذا كنت أسعى في لاوعيي إلى اسعادها. أن أختفي لئلا أزعجها.
عندما تناولت تلك الأقراص، خافت أن تبلغ أحدهم. أتذكّر هذا بشكل ضبابيّ لأني لم أكن في وعيي تماماً. أدرك الآن أنها لو أبلغت عن محاولتي الانتحار لقلت لأحدهم عن السبب الذي دفعني لذلك ووقعت هي في المتاعب.
كانت حاجاتها وسمعتها أهم من حياتي. فأغلقت باب الغرفة وراحت تجلب لي الماء بين الحين والآخر. لكنني بقيت على قيد الحياة رغم كل ما جرى.
أدرك اليوم أنه من حسن حظي أني بقيت حيّة وأني أستحق الحياة فعلاً. فحياتي تستحق العناء. أنا انسانة عاملة وجيدة في نهاية المطاف. أصبحت أمي اليوم متقدّمة في السن، فقد بلغت 68 سنة لكن شيئاً لم يتغيّر.
لا تزال أنانيّة ومغرورة ولا تحمل في داخلها أيّ ذرة من التعاطف ولا تهتم إلا بذاتها. ومع تقدّمها في العمر، ازداد غضبها وازدادت شتائمها ولم تعد تفكّر إلا في أن تعيش لأطول وقت ممكن.
لم تُظهر خلال سنوات عمري الواحدة والأربعين أيّ شعور بالندم أو أيّ بعد نظر وبصيرة في سلوكها. أعلم أنني لست رائعة وعظيمة أنا أيضاً، لكني لست أسوأ انسان على وجه الأرض.”
هذه الأم الأنانية هي أم نرجسية لا تحب إلا ذاتها.
الأمهات النرجسيات لا يتغيّرن مع التقدّم في السن، ويعود ذلك غالباً إل أنهن لا يشعرن بوجود خطب في سلوكهن كأمهات.
في الواقع، يتفاقم سلوكهن اتجاه أولادهن مع التقدّم في العمر لأنهن يعتبرن أنّ الآخرين سيئون وأنهن طيبات وجيدات وصريحات. ما من إطار آخر في ذهن النرجسيّ.
يمكن أن نذكر سلوكيات عدة نموذجيّة للأمهات النرجسيات:
- 1- لا يُدركن بما يكفي حاجات الأولاد على صعيد: القرب، العناية، الرعاية، الاهتمام والدعم.
عندما يدركن أنّ الطفل بحاجة إلى شيء ما، فهن ينظرن إلى هذه الحاجة على أنها واجب يهدد حاجاتهن. ولهذا، غالباً ما يعتبرن أولادهن عبئاً عليهن، ويتصرّفن بعصبية وغضب حيال الطفل عندما لا يكنّ مستعدات لتلبية حاجاته. فحاجاتهن أهم دوماً من حاجات الآخرين وحتى من حاجات أطفالهن. - 2- الأم النرجسيّة تنتقد أولادها لأنها لا ترى أحداً جيداً سوى نفسها.1
- ينطبق هذا على كافة الأشخاص من العالم الخارجي، بما في ذلك ولدها.
- 3- الأمهات النرجسيات لا يشعرن بما يكفي من التعاطف أو الرحمة أو الشفقة اتجاه أي كان، بما في ذلك أطفالهن.
يتحكّمنَ في سلوك أولادهن، لأن الأولاد بالنسبة إلى الأم النرجسية كأشياء او اغراض ليسوا سوى امتداد لها. تحب الأم النرجسيّة مثلاً، وبدافع أناني بحت، أن ترى امتداداً لنفسها وكأنها أدّت دوراً اجتماعياً حين أصبحت أماً
الطفل بالنسبة إليها أداة لنيل مكانتها الاجتماعية. - 4- في العالم الخارجي، أمام أسرتها وأقاربها وأصدقائها، تحافظ الأم النرجسيّة على قناع الأم المثاليّة.
خفي وجهها الحقيقي عن الناس كلهم وتعطي صورة مثاليّة لنفسها. في الواقع، هي مقتنعة تماماً بأنها رائعة، لكنها تعتقد أنّ ولدها ليس جيداً بما يكفي. - 5- الأم النرجسية لا تقبل الشعور بالذنب ولا تعتذر أبداً من أولادها على الألم الذي سببته لهم.
لا تعتقد أنها جرحت أيّ كان فعلاً. فالأم النرجسيّة ترى نفسها رائعة وتعتقد أنّ الأولاد ليسوا طيبين وجيدين. بالتالي، تظن أنها تهينهم وتنتقدهم لسبب وجيه.
إن كنت أنت أيضاً ولداً راشداً لأم نرجسيّة، فاعلم أنك لم تكن ولداً سيئاً بل هي أم سيئة جداً. ليست كل الأمهات طيبات وجيدات، فهذه فكرة شائعة خاطئة.