حين تنعدم الثقة بالأم منذ الطفولة.. تصبح الأم آخر ملجأ عند الضيق

0

الثقة بالأم

حين يخطئ طفلك…ما الذي يحتاجه منك ؟

كنتُ في منزل أحد الأقارب. رأيتُ مريم وهي فتاة تبلغ ست سنوات، تجلس في الزاوية تنفخ على أصابعها وتبكي. اقتربتُ منها بسرعة وسألتُها ما بهاِ، فأخبرتني أنها لمست نبتة في الحديقة تسبب الحكاك وركضت واختبأت في المنزل. فسألتُها “لِمَ لم تخبري ماما”.. أجابت “كلا أرجوكِ لا تخبريها ستضربني”. كانت تحتاج إلى غسل يدها ووضع دواء للتخفيف من حدة الألم.

أمسكتُها وقلتُ “تعالي معي، ماما أكيد لن تضربكِ. أنتِ تحتاجين الآن إلى دواء، هيا بسرعة”.

والمشكلة، لا بل المصيبة، أنها حين رأتها تبكي سألتها بسرعة “ماذا فعلتِ، ارتكبتِ خطأً جديداً”. فبادرتُ بإخبارها بما حصل. فوجئتُ بها تحاول سحب الفتاة لتضربها. فمنعتُها ووقفتُ أمام الطفلة فاختبأت خلفي ترتجف كورقة شجر أضاعت جذورها وتشردت في رياح خريفية عاتية. كدتُ أجن، صرختُ فيها “هل جننتِ. ألا ترينها تتألم؟ أحضري لها دواءً وداويها وفكري لاحقاً بطرق تأديب مناسبة. يكفيها ألمها، أظنها تعلّمت الدرس من تلقاء نفسها. لا داعي لكل هذا الانفعال“. فصرخت جدتها “دعيها تضربها. لقد أصبحت مشاغبة جداً في الآونة الأخيرة”. وقالت خالتها “تعلّمي ألا تلمسي أشياء غريبة وكفي عن التهوّر”.

تخيّلتُ نفسي مكان هذه الطفلة الصغيرة، وكدتُ أبكي. وصرختُ بهم جميعاً “هل نسيَ أحدٌ أن يعطي رأيه في الموضوع؟ ما رأيكم أن نقيم جلسة حوارٍ ندرس فيها الأسباب والنتائج؟ ماذا دهاكم؟ ألا ترونها تتألم؟”. ثم أدخلتُها إلى الحمام وغسلتُ ي

ديها، وأحضرت جدتها دواءً وضعتُه لها، ولكنها ظلت جالسةً بالقرب مني خائفةً من العقاب الذي هددت به والدتها.

وبدأتُ أتساءل، فتاة في مثل سنها يتم التعامل معها بهذه الطريقة، وبدأت تخفي أموراً عن والدتها بسبب هذه المعاملة، هل ستخبر أمها يوماً حين تكبر إن قام أحدهم بالتحرش بها؟ هل ستخبرها عن معلمة أهانتها أمام أصدقائها؟ أو عن زملاء تنمروا عليها أو ضربوها حتى؟ أكثر من هذا إن تزوجت من رجلٍ سيءٍ في المستقبل البعيد وقام بضربها وإهانتها، هل ستخبر أمها؟ حتماً لا. ستكون والدتها آخر شخصٍ تفكر في إخباره، فالثقة قد انعدمت كلياً منذ الطفولة.

حين يتعرض الطفل إلى موقفٍ صعب يحتاج إلى دعمٍ لا إلى عقاب! وحين يركض إليكَ طفلكَ ليخبركَ بأنه نال علامة سيئة، يحتاج أن تساعده على التعلم بطريقة أخرى لا أن تضربه! حين يخبركَ أن المعلمة عاقبته، يحتاج إلى أن تواسيه وتحتضنه لا أن تسخر منه!

أي نوعٍ من الأمهات تلك التي تتجاهل ألم طفلتها وتهددها بألمٍ مضاعف وتضيف إلى ألمها حالةً من الخوف والذعر؟! أي أمٍ تهين ابنتها أمام الناس وتسمح لهم بالتدخل وإهانة ابنتها؟ إنه عنفٌ نفسي؟ أما زال هناك أناسٌ يتصرفون بهذه الوحشية حقاً؟ ما مشكلتهم، تعب؟ ضغوطات مادية، ظروف عائلية صعبة؟ كلها أمور لا ذنب للطفل فيها.. لِمَ ينجب هؤلاء الناس أطفالاً إن كانوا لا يعرفون قيمتهم؟

رجاءً لكل أولئكَ غير المستعدين لتربية أطفال نفسياً أو مادياً أو حتى من ناحية الصحة العقلية.. لا تنجبوا أطفالاً! ليس أمراً ضرورياً أن تنجبوا أطفالا! تعايشوا مع مشاكلكم النفسية بمفردكم ولا تنجبوا أطفالاً لتنقلوا إليهم عقدكم ومشاكلكم.
سماح خليفة

اترك رد