حين يفشل طفلك، ردة فعلكِ تحدد طريقة تفكيره في المستقبل
حين يفشل طفلك:
كانت أمي تبالغ في كل ردود فعلها. تنفعل كثيراً إذا كُسِرَ صحن أو احترقت الطبخة أو ضاع قلم.. كل شيء كان يثير غضبها ويجعلها تتوتر. لا ألومها، ربما كانت ضغوطات الحياة كبيرة عليها، وقد عاشت فترة حربٍ قاسية. بل على العكس أحترم قوتها وقدرتها على الصمود وحمايتنا رغم كل شيء.
كانت تحكي لنا كيف كانت تخبئنا في أماكن لا زجاج نوافذ فيها، حتى لا نتاّذى إن اشتد القصف. هي امرأة تستحق كل الحب والتقدير. والهدف من المقال ليس انتقاد هؤلاء الأمهات. هناك أسباب كثيرة وتراكمات نفسية عظيمة الأثر جعلتهن ما هن عليه اليوم.
إلا أنني أود أن أفسر مدى تأثير هذه التصرفات على نفوس الأطفال. وحجم الخوف والتردد اللذان يولدان في نفس الطفل ويرافقانه حتى عندما يكبر ويكوّن أسرة ويتولى مركزاً مهماً في المجتمع.
كنتُ أخاف أن أفشل
ما زلتُ أذكر ذاك اليوم الذي حاولتُ فيه أن أغسل الصحون كي أساعدها، لأنني كنتُ أعلم أن أمي تتعب كثيراً وأود أن أقوم بشيء كي أجعلها تشعر أنني موجودة لأجلها. لم توبخني شخصياً، لكنها صرخت لأن الماء والصابون ملآ المكان والصحون لم تكن نظيفة كما يجب. وأعادت تنظيف كل شيء. وقفتُ حينها في زاوية المطبخ أبكي دون أن تراني. وكنتُ أفكر في قرارة نفسي حينها “كم أنا ابنة سيئة. ها أنا أفشل مجدداً. بدلاً من أن أساعدها جعلتُها تعمل أكثر. أنا دائماً أفسد كل شيء. لا جدوى مني. مهما فعلتُ أخفق”.
لم يكن موقفاً واحداً. إنها مجموعة مواقف متراكمة جعلتني أقتنع بهذه الفكرة.
حتى يومنا هذا تلومني أمي حين أخفق : تأخرتِ على العمل أنتِ فتاة فوضوية. نسيتِ أغراضكِ في المنزل. أنتِ لا تركزين حتى على أتفه الأمور. تجادلتِ مع ابنة الجيران.. أنتِ متسرعة ومتهورة، ستدمرين علاقتي مع الجارة.
دائماً أنا المخطئة، حتى حين أكون على حق. غالباً حين يحب المرء أحداً يخلق له الأعذار حين يخطئ، ويخفف عنه بدل لومه. أمي كانت تفعل العكس، لكن بقصد الحب.
لم تكن تقصد أن تصبح ابنتها فتاة مترددة جداً تخاف خوض التجارب، تخاف من التواصل مع الناس، تستشير الجميع قبل اتخاذ أي قرار، لا تثق بأنها قادرة على إنجاز شيء، وترى نفسها اليوم أفشل امرأة وأفشل أمٍ في الكون.
ما الذي علينا أن نعلمه لأطفالنا عن الفشل ؟
- الفشل ليس نهاية الكون: حين يخطئ الطفل من واجب الأهل توجيهه لكن دون تهويل. أخبري طفلكِ أنه سينجح في المرة المقبلة وساعديه على ذلك.
- الفشل حالة وليس مشكلة سلوك أو سمة: إياكِ أن تخلطي بين الموقف وشخصية طفلك. ستدمرينه! ومهما حصل تجنبي استخدام كلمة “فاشل/فاشلة”. ليس هناك من شخص فاشل في كل شيء، هناك أمور نفشل فيها وأخرى نتميز فيها، وأخرى نفشل فيها وربما ننجح فيها غداً.
- العيب ليس في الفشل إنما في الاستسلام: اجعليه يكرر التجربة بطريقة مختلفة وساعديه كي ينجح. وأخبريه أن أشهر الناس وأكثر تميزاً مروا بالعديد من التجارب الفاشلة قبل أن ينجحوا. إنما كرروا المحاولة وتمكنوا من الوصول.
- الفشل ليس عيباً: علميه ألا يخجل من أخطائه إنما أن يحاول عدم تكرارها.
- الفشل يعلّم: فكرا معاً بالتجربة التي مر بها، واسأليه عما تعلمه منها. وأخبريه أنه هكذا قد ربح درساً جديداً يساعده في التصرف بشكلٍ صحيح في المرة المقبلة.
- أخيراً وأهم شيء، الفشل لا ينتقص من حبكِ له: حب الام لطفلها غير مشروط. لكن إن لم تخبريه بذلك، لن يعلم بمفرده. كيف عرفتُ ذلك؟ منذ فترة سألتني ابنتي إن كنتُ ما زلتُ أحبها بعد أن لوّنت على الجدار. فغمرتها برفق وأخبرتها أنني سأحبها مهما حصل، وحتى لو كنتُ أشعر ببعض الحزن والغضب لأنها تصرفت بشكلٍ خاطئ فالأمر لا ينتقص نهائياً من حبي لها.
سماح خليفة