بالمناسبة للأطفال كبرياءٌ أيضاً… لا تكسروه!

0

أستغرب مَن يقول أن “الطفل ينسى” و”ما عقلبو شر” أو أن “الأطفال لا يتأثرون بالكلام الجارح.. ها هو طفلي يلعب مع انني ضربته، كأن شيئاً لم يكن”. كم هم مخطئون، كلا الطفل لا ينسى، وبلى الأطفال يتأثرون ويتذكرون كل شيء، حتى لو لم يبدوا ذلك بشكلٍ مباشر.

أتدرون أمراً أيضاً، للأطفال كبرياء تماماً كالكبار، هم يشعرون بالخيبة والانكسار، ويرفضون التعبير عن مشاعرهم على اعتبار أن مَن يحبهم يجب أن يهتم بهم بشكلٍ تلقائي، مثلنا تماماً.

نعم للأطفال كبرياء. هذا ما اكتشفتُه من طفلتي الصغيرة ذات الأربع سنوات.. والدليل المواقف التي سأسردها لكم في هذا المقال..
لا يخبرونكم بكل ما يفكرون له، حتى لو كانت علاقتكم أكثر من رائعة!

كنا نتساءل كثيراً عن سبب تأخر ابنتنا الصغرى قبل الخروج إلى منزل جدتها أو المدرسة، والمماطلة أيضاً في العودة إلى المنزل. حاولتُ أن أسألها كثيراً، لكنها لم تخبرني بالسبب.

stock.adobe.com/

إلى أن سألها خالها بشكلٍ عفوي وهو يصوّرها “أين ماما الآن”، فأجابت “في المنزل مع أختي أنا”، وشردت في الذهن كأنها شخصٌ كبير. ثم قالت “أنا أحب ماما”. بقدر ما غمرت السعادة قلبي حين عبرت عن حبها لي بعفوية، بقدر ما فهمتُ سبب كل هذا.. إنها الغيرة.
هي تشعر أنني أرسلها إلى منزل جدتها لأعتني بأختها الصغرى.. هي تفهم كل شيء.. لا وبل أن كبرياءها لا يسمح لها أن تخبرني بأنها تغار من أختها وتريد البقاء معي. بالمناسبة، للأطفال كبرياءٌ أيضاً.

كانت تتأخر في الخروج عند الذهاب لأنها تريد البقاء معي، وتتأخر في الخروج عند العودة لأنها تريد أن تثبت لنا أنها سعيدة من دوننا، وأنها لا تحتاج إلينا.

طلبت الاعتذار منها

منذ فترة، انفعلتُ قليلاً وصرختُ أؤنبها، ظننتُها هي مَن رمت الطعام على الأرض. وكنتُ بالكاد قد انتهيتُ من التنظيف. فبكت كثيراً، لا أدري من أين أتت بكل هذه الدموع. كل ما فعلتُه أنني رفعتُ صوتي قليلاً. فأجلستها بقربي وسألتها “لِمَ تبكين الآن؟ كل ما طلبته منكِ أن تتوقفي عن رمي الطعام على الأرض”. فأجابت بصوتٍ منخفض “أختي نايا هي مَن رمت الطعام، أنا كنتُ أحاول أن أنظف المكان لأجلِكَ”. وازداد بكاؤها حدةً. فغمرتُها وأخبرتها أنني لم أكن أعلم ذلك.

لكنها لم تتوقف عن البكاء. سألتُها “لِمَ ما زلتِ تبكين الآن؟”. أجابت بكل براءة “أمي لم تقولي لي أنا آسفة، ألم تخبريني أننا يجب أن أعتذر من أختي حين جعلتُها تحزن. أنا حزينة لأنكِ وبّختِني، هيا قولي لي أنا آسفة”. قالت هذه الجملة الطويلة وكلماتها تترافق بسيلٍ من الدموع كأنني جرحتُ كبرياءها فعلاً.

فاعتذرتُ منها لأنني ظلمتُها. وما إن اعتذرتُ حتى مسحت دموعها وغمرتني.

دفعتُها لأن أبي كان يلعب معها

أحاول قدر المستطاع أن أتحدث مع طفلتي كي أفهم سبب تصرفاتها أو أي سلوكٍ تقترفه، وأشرح لها بالمقابل كيف يجب أن تتصرف وتعبر عن مشاعرها في المرة المقبلة. ذات يومٍ دفعت أميرتي أختُها الصغرى، طلبتُ منها أن تقبلها وتعتذر. وانشغلتُ طيلة اليوم، إلى أن جلستُ معها مساءً وتمكنتُ من معرفة سبب دفعها لأختها بهذا الشكل “دفعتُها لأن أبي كان يلعب معها، ولم يكن يلعب مع أميرة”. لم تخبر والدها حينها أنها تريد أن تلعب معه، أيضاً كبرياءها منعها عن ذلك، فتجسدت مشاعرها السلبية في سلوكٍ سيءٍ اتجاه اختها الصغرى.

الأمور التي ذكرتُها هي بعض الأمور التي عرفتُها. لكن أطفالنا يخفون الكثير من الأفكار والمشاعر داخلهم. دعونا نحاول قدر المستطاع أن نترك في نفوسهم وذكرياتهم أثراً إيجابياً لا سلبياً. ومجدداً نعم للأطفال كبرياء، لا يحق لنا أن نكسره!

سماح خليفة

اترك رد