أكاد أكره طفلي، لم أعد أستطيع أن أتحمله!

0

أكره طفلي:
“جربتُ كل الأساليب مع ابني كي يتوقف عن الصراخ والبكاء والمعاندة. عاقبته وضربته وحرمته من ألعابه المفضلة، جعلته يجلس على كرسي التفكير.. كما جربتُ أساليب أخرى كوعده بهدية إن مر يوم كامل دون صراخ. لكنه استمر باستخدام الأسلوب نفسه. لقد تعبت، لم يعد باستطاعتي تحمله. إنه طفل كسول مشاغب عنيد متعب. لقد بدأتُ أكرهه فعلاً. أنا أكره ابني. أكا] أجن!”

كنتُ أصغي إليها وأنا أعلم تماماً أن مشكلتها ليست مع ابنها. مشكلتها تكمن في نظرتها إلى الأمور. صديقتي المسكينة تتحمل الكثير من الضغوطات بمفردها، لا سند ولا معيل، زوجها يتهمها دائماً بالفشل وبالاستهتار، ويتهمها بأنها السبب في “مرض” ابنها المصاب باضطراب طيف التوحد. يهينها وحين تهدد بالرحيل يجيبها “هيا ارحلي واتركي ابنكِ. أنتِ لا تستحقين أن تكوني أماً. سأربيه بنفسي ولن أسمح لكِ برؤيته مجدداً”.

كل المسؤوليات مرمية على عاتقها، اصطحاب طفليها إلى المدرسة وإعادتهما، تنظيف المنزل، تحضير الطعام، إحضار مستلزمات المنزل ومستلزمات أطفالها. وأيضاً اصطحاب طفلها إلى جلساته العلاجية ومعها ابنها الثاني طيلة الوقت.

إن طلبت منه أي مساعدة يبدأ بالصراخ والانفعال ورمي الأغراض ويثير جواً من التوتر في المنزل.

والداها تخليا عنها، لأنها طلبت الطلاق منه عندما ضربها ثم عادت إليه خوفاً على ابنها لأنه مرض في غيابها.

هي وحيدة، وحيدة جداً. في البداية كنتُ ألومها وأغضب حين تتكلم بهذه الطريقة. لكنني مع الوقت بدأتُ أفهم. إنها تعاني! هي ليست بخير..

Close up portrait of cute little boy crying on mothers lap after being hurt
تقول تلك الكلمات ثم تنهار باكيةُ وتبدأ بتقبيل طفلها.

إنها تحتاج إلى الكثير من الدعم، لكن في هذه الحالات الدعم الحقيقي يأتي من الداخل. لا شيء يساعد المرء على تعلم الدرس الذي أرادت أن تلقنه إياه الحياة، سوى نفسه.

جاوبتها بسؤال واحد فقط “عزيزتي فكري ملياً. هل مشكلتكِ فعلاً مع ابنك؟”

صمتت لبضع ثوانٍ ثم وضعت رأسها بين يديها ووجهت نظرها إلى الأرض وأجابت “كلا، مشكلتي ليست مع رامي”.

وضعتُ يدي على كتفها وقلتٌ لها “أنظري إلي. أنا لن ألومكِ هذه المرة. أتدركين لماذا؟ لأنني منذ فترة وجيزة مررتُ بنفس الظروف. وشعرتُ أنني أكاد أنهار، وأن كل ما أحتاج إليه هو الهروب. لكنني قاومت. وتذكرتُكِ حينها. وتأكدتُ أنه لا يحق لأحد أن يحكم على شخصٍ لم يمر بنفس ظروفه. لكن أتدركين ما الذي فعلته حينها؟”.

نظرت إلي وسألتني كأنها تبحث عن قشة تتمسك بها لتنجيها من الغرق “ماذا فعلتِ؟”

فأجبت “عكس ما تقومين به تماماً.. أثبتُ لنفسي قبل الجميع أنني قوية. رفضتُ أن أستسلم لأفكاري السلبية. مسحتُ دموعي بنفسي. وقررتُ أن أقاوم. سببان ساعداني على عدم الاستسلام لتلك الظروف: السبب الأول هو أنني أم، والسبب الثاني هو أن أطفالي يستحقون أماً قوية. وتعلمتُ الدرس. أتدركين ما الذي تعلمته؟ اكتشفتُ قوةً مخفيةً داخلي، وقدرة غريبة على الصبر والصمود، كأنني لمستُ جزءً من روحي كان غافياً وأيقظته. تغيرت. تغيّرتُ كثيراً. لم أعد تلك المرأة الضعيفة التي تنهار باكيةً عند أي انتقاد أو أي موقفٍ صعب. الآلام تطهرنا. تساعدنا على اكتشاف ذاتنا. تجعلنا نصل إلى أعمق قاع في نفوسنا وحين نصل إلى تلك الزاوية من ذاتنا نخرج منتصرين. كمن كان يغرق ويفقد القدرة على التنفس شيئاً فشيئاً، ثم استيقظ كأنه كان في حلم ووجد نفسه في مكانٍ آمن. هذه التجارب تقوينا، بشرطٍ واحد، أن نقرر أننا نريد أن نتغير، أن نقرر أننا نستطيع أن نتغير، وأن نتعلم الدرس.”

اترك رد