عندما لا نعطي أطفالنا خياراً..
الأسبوع الماضي قمت بزيارة طبيبة من معارفي.. واثناء زيارتي لها رحنا نتحدث عن أطفالنا وبعض تجارب الأمومة التي مررنا بها.
هذه الطبيبة امرأة قوية مستقلة واثقة من نفسها وهي اليوم أم لأولاد راشدين.. كان بيننا اختلافات في بعض وجهات النظر فيما يتعلق بتربية الاطفال ولكن حدث ما لم اتوقعه منها
ففيما كنا نتحدث وصل بنا النقاش الى النوم عند الأطفال ..
سلوكها تغير، وجلستها اعتدلت وصوتها رق ، ما إن بدأت تتحدث عن كيفية تدريب الطفل على النوم..
قبل ثلاثين عاماً عندما انجبت طفلها الأول عانت من مشكلة بكاء طفلها قبل النوم….
انطفأ وجهها وغرقت عيناها بحزن وهي تخبرني كيف انها قبل ثلاثين عاماً عملت بنصيحة حماتها التي نصحتها كحل لبكاء طفلها ان تتركه يبكي حتى يتعب فينام..
وذكرت أنها وقتذاك نفذت نصيحة حماتها وتركت ابنها عدة ليالي يبكي ويبكي حتى يغفو وحيداً مهجوراً. قالت لي:” إنها فعلت ذلك ظناً منها انها تفعل الصواب. “ولكن قلبها انفطر اذ شعرت أنها فقدت شيئاً مميزاً في علاقتها بابنها.
منذ تلك الليالي انكسر شيء كبير بينها وبين طفلها وطوال تلك السنوات ظلت جراحها النفسية حية ولم تلتئم بعد.
قالت لي: “امنيتي الوحيدة في هذه الحياة أن يعود بي الزمن الى الوراء لأرفض النصيحة التي أذت طفلي وأذتني. لو عاد بي الزمن لرفضت تركه يبكي ليالي وهو وحده ولحملته الى سريري أطمئن قلبه الى أنني هنا موجودة من أجله وأنني لن اتركه يبكي بعد الآن.”
لأننا عندما لا نعطي اطفالنا خياراً غير البكاء نرتكب بحقهم ذنباً كبيراً .
اطفالنا لا يحتاجون الى البكاء
- اطفالنا يحتاجون إلى أمان الأمومة.. الى خط تواصل دائم معهم.. اطفالنا يحتاجون الى حناننا.
- اطفالنا بحاجة الى اهلهم
- هم يبكون لانهم يطلبوننا
- هم يبكون حتى لا نتركهم
- هم يبكون حتى نحملهم
- هم يبكون لنقربهم من دفئنا
- اطفالنا يبكون طالبين وجودنا.. طالبين حمايتنا
بعد ثلاثين سنة ما زالت هذه الأم تسأل أي تأثير مدمر تركته فعلتها على علاقتها بابنها.
وهذا السؤال قد جاء من مكان سحيق في أعماقها وما تشعر به ليس شيئاً خاصاً بها وحدها فكثيرات منا نحن الأمهات نسأل ذات السؤال. فأنا نفسي أسأل ذات السؤال على حادثة وقعت في حياتي مع ابنتي الكبرى . يومذاك قسوت على ابنتي وانا احاول تدريبها على التخلص من الحفاض. يراودني دائماً هذا السؤال: “ماذا فعل غضبي بعلاقتي بابنتي?”
للأسف أننا في معمعة تربية اطفالنا وبسبب الضغط النفسي الذي نشعر به نضيع طريقنا ونضيع حكمة قلوبنا ونتقبل الاعتقادات الخاطئة التي يؤمن بها الآخرون قائلين لنا إن نصائحهم هي من أجل صالح أطفالنا.
عندما يبكي الاطفال قبل النوم ليس المطلوب منا أن نعلمهم كيف ينامون بل أن نعلمهم كيف يسترخون وكيف ينفصلون عنا لوقت قصير بسلام.
لماذا يجب أن لا نترك الطفل الرضيع يبكي؟
حين يبكي الطفل، تفرز الغدد الكظرية الكورتيزول، وهو هورمون يسمى أيضاً هورمون التوتر أو الضغط النفسي وحين يواسي أحد الراشدين الطفل، ينخفض مستوى الكورتيزول. وإن لم تتم مواساته، فسيبقى مستوى الكورتيزول مرتفعاً.
بعض التجارب في الحياة تؤدي إلى ضغوطات لا يمكن التغلب عليها، وأي نسبة توتر من الضروري التعامل معها. “إذ يمكن للضغط المتواصل الذي تطول مدته أن يسبب آثاراً ضارة لدماغ الطفل وذلك لأن الكميات الكبيرة من الكورتيزول قد تستقر في الدماغ لمدة ساعات، وربما أيام. مما يمكن أن يؤذي بنية الدماغ. كما أن التوتر المتواصل والمطوّل ضار وغالباً ما يرتبط بالإساءة والإهمال خلال مرحلة الطفولة المبكرة.
ولكن حين نواسي ونريح الطفل، ينتج دماغه هورموناً يهدئه وهو الأوكسيتوسين. هذا الشعور بالراحة الذي يسكنه عند كل اتصال مع أهله هو الذي يسمح له بتطوير علاقة عاطفية قوية معهم. لذا يجب أن لا نترك الطفل يبكي.
ارحموا الأمهات من النصائح التي تؤذيهن وتؤذي أطفالهن.. دعوا تجاربكم لأنفسكم واتركونا نخوض تجاربنا على طريقتنا وحكمة قلوبنا..