لماذا عليكم ألا تحرموا أطفالكم من قراءة الحكايات لهم كل ليلة؟
لماذا يحبّون الحكايات إلى هذا الحدّ
حكاية حزينة للأيام الممطرة وحكاية فرحة للأيام المرحة. حكاية الجنّ إذا كنّا قد تشاجرنا مع أمّنا أو حكاية الذئب إذا كنّا نخاف من الظلام… فالحكايات تشكّل جزءاً من عالم الصغار، منذ طفولتهم. هي حكايات تثير فينا الضحكة أو الابتسامة أو الخوف، حكايات من خلالها نلعب دور شخص آخر، حكايات تثير فينا القشعريرة، ولكنّها، في النهاية، حكايات تساعدنا على أن نتغلّب على السكوت.
حكايات بدلاً من الصمت
لا يحتاج الأطفال الى الصمت إلاّ وقت النوم وليسوا بحاجة إليه كي يكبروا. لهذا، نراهم يحبّون الثرثرة ويودّون الاستماع إلينا ونحن نحكي لهم الحكايات.
ابتداءً من أي عمر هم يحبّون الحكايات؟ إن شغفهم بالحكايات يبدأ باكراً، منذ حوالي سنّ العشرة أشهر وربّما قبل ذلك. حتّى ولو أنّهم لا يفهمون كل شيء، نراهم يتنشّقون رائحة الكتاب أو يمزقّونه أو يدعكونه، وهذه ربّما وسيلة يخرجون بها من واقعهم، من ورطتهم.
لنراقب طفلاً وهو يحمل كتاباً. فالكتاب يبدو له وكأنّه مفتاح على العالم. يستغرق في التمعّن بالكتاب بشغف ويتفحّص جميع جوانبه وتبدو عليه علامات التساؤل، يتأمّله كما لو كان شيئاً غريباً جاء من عالم آخر، شيئاً يحتوي على «الكلمة الأخرى»، الكلمة الحقيقيّة التي بها يخرج الطفل إلى الكون.
هل يعي صغارنا منذ الآن أنّهم يجدون في الكتاب القوة والذكاء والسكينة؟ أو يجدون فيه منبع أسرار وحيل وأجوبة ولعب على الألفاظ للضحك أو البكاء؟ أو ربّما هم يشعرون مسبقاً بما قاله مونتسكيو عن الأدب: «ما من حزن عميق إلاّ وتمحوه من داخلي ساعة من المطالعة»، فالمطالعة تهدّئ الآلام لأنّها تسمح لنا بالوصول الى ما هو كونيّ فنتخطّى بذلك حدود أسرارنا الحقيرة.
بالطبع، إنّ الأولاد لا يعبّرون بهذه الطريقة ولكنّهم يفكرّون: «آه، لقد حصل ذلك أيضاً لـ«سندريلا» ولست الولد الوحيد الذي يتخاصم مع إخوته». لا، ليس الولد الوحيد الذي يتمنّى لو يخنق أخاه الصغير أو يكره أمّه ويعبدها في آن واحد، أو الذي يتساءل لماذا يعود والده متأخّراً جدّاً. ليس وحده من يشعر بفراغ كبير في صدره عندما يتشاجر والداه … لنراقب عينيه: هما تلمعان عندما نقرأ له حكاية.
الخروج من فخ الأنا
يتخطّى الولد، بفضل الحكايات، دائرة ذاته الضيّقة والمسلك الأناني الذي يسلكه هو أو تسلكه عائلته. وتعود إمكانيّة التخطّي هذه، على وجه التحديد، إلى أن الولد يتماثل مع بطل القصة. وقد كتبت «مارت روبرت» في مقدمة كتاب «حكايات» للكاتب «غريم» ما يلي: «تعرض الحكاية على الولد صورة عن العائلة البشريّة، ومملكة الحكايات ليست سوى عالم العائلة المقفل والمحدود». ويتابع الكاتب: «وتصف الحكاية، بشكل أساسي، العبور من سنّ الطفولة الى سنّ النضوج وهو عبور ضروريّ وعسير في آن واحد، تعترضه عوائق عدّة».
مملكة، ملكة وملك. جُحر وعائلة أرانب. تسقيفة وعائلة فئران … هذا يكفي لبناء حكاية وتدوينها وبلورتها. أليست المملكة كما الجُحر أو التسقيفة، هي أيضاً، استعارة لنفسيّة الولد؟ أليست مسرحاً للنزاعات العائليّة؟ إنّ هذه الأمكنة هي التي تساعد الولد على التماثُل ثم على التعبير عمّا يجري في داخله من نزاعات.
وبفضل هذه الحكايات ـ تلك التي تستهويه ـ، يخرج الولد شيئاً فشيئاً من جُحر القلق ويكفّ عن الشعور بالذنب وعن تكرار الأفكار السوداء التي تجعله ينطوي على ذاته أكثر فأكثر.
تشبه الحكاية ضوءاً صغيراً في الظلام. هي تهمس إلى الولد بأنّه ليس وحيداً في الغابة المظلمة، كما أنّها تساعده على وجود مخرج أو على تضميد جراحه الأولى. وإذا منع الأهل أولادهم من قراءة الحكايات المخيفة بحجّة وقايتهم من الخوف، فإنّهم في الواقع يسلّمونهم للواقع الأليم فيجابهونه دون أي حماية.