مهما كان حجم الضغوطات لا تضحوا بحقوق أطفالكم

مهما كان حجم الضغوطات لا تضحوا بحقوق أطفالكم

اعتدتُ أن أتنازل عن أي شيء، عن كل شيء، عن أبسط حقوقي في الراحة والاستقرار والأمان. اعتدتُ أن ألعب دور البطلة وأساند وأدعم وأسامح إلى أن جاء اليوم الذي عرفتُ فيه أنني بهذه الطريقة أتنازل أيضاً عن حقوق أطفالي. لقد نسيتُ ابنتي في المدرسة.. نعم نسيتُها.

أنا تلك الأم التي تدعي المثالية وتسعى إلى المستحيل، اعترفتُ أخيراً أنني لا أستطيع أن أحقق المستحيل. بدأ الأمر بفقدان زوجي لوظيفته، ثم الوظيفة الأخرى ثم العمل في مؤسسة براتب غير واضح أو ربما أنه غير واضح فقط بالنسبة إليّ. فقدنا المنزل ثم السيارة لأننا نحتاج إلى المال لتعويض ديون زوجي وإصلاح مشاكله المادية من حادث سير إلى مشاكل في حسابات العمل إلى أعذار لامتناهية كنتُ دائماً أساعده في اختلاقها بغبائي، أو ربما بادعائي الغباء كي لا أواجه الحقيقة.

بدأت المسؤوليات تتراكم على عاتقي وتزداد وتزداد.. سكنّا في منزل والدتي ولم يعد أولادي يحظون حتى بحياة أسرية مستقلة مع أمهم وأبيهم. عمت الفوضى في حياتنا أكثر فأكثر وفقدتُ السيطرة على كل شيء، على سلوك ابنتي الذي بدأ بتراجع، على وقتي، على قدرتي على توفير وقت لأطفالي، على يومياتنا ونظام حياتنا ككل. نظام؟ أي نظام هذا لأم ما لم تعمل لن يكون هناك مدخول لتوفير أقل مستلزمات الأطفال من حفاضات وحليب وطعام ومدارس. لأم تضطر إلى تأجيل كل ما يتعلق بأطفالها لأنها منغمسة في عملها حد النسيان. نسيتُ أن لنفسي حق عليّ، وأن لأطفالي حق عليّ.

إلى أن أتى ذاك اليوم الذي كنتُ أتحدث فيه بكل ثقة عن تنظيم الوقت والأولويات وأنه عليّ أن أخصص وقتاً لأطفالي بشكلٍ يومي، كي لا يعيشوا ما عشته في طفولتي من إهمالٍ عاطفي.

وفي ذاك اليوم بالتحديد، نسيتُ ابنتي.

كنتُ منغمسة في العمل في مكتبي، واتصل بي عامل من المدرسة ليذكرني بابنتي! نعم إبنتي! يا لسخرية القدر.. أنا الأم التي تخاف على أطفالها إلى حد الهوس، أنا الأم التي تضحي بكل حياتها لأجل أطفالها. أنا تلك الأم نفسها التي نسيت ابنتها!

ركضتُ كالمجنونة. استقليتُ سيارة الأجرة وصرختُ وأنا أبكي أرجوك أسرع لقد نسيتُ ابنتي. احتار السائق كيف يواسيني، على أي حال لم أكن أصغي إلى ما يقول. كل ما كنتُ أفكر فيه هو دموع طفلتي ذات الأربع سنوات والخوف الذي كان يسيطر على قلبها.

وصلتُ ووجدتها بمفردها مع الحارس. لقد رحل الجميع. المعلمات والناظرة والأطفال. لم يبقَ سوى الحارس. رأتني من بعيد وابتسمت كأنها استعادت جزءً من روحها. وركضت نحوي وغمرتني ثم دفعتني وقالت “أمي، أنا غاضبة منكِ، لقد نسيتِني”.

انهرتُ باكيةً وبدأتُ أختلق الأعذار “سائق وحادث ومستشفى وأزمة مرور…” أي شيء.. أي شيء سوى أن تعلم أنني نسيتُها. أي شيء سوى أن تدرك أنني ارتكبتُ جريمةً كهذه.

حين رأتني أبكي نظرت إليّ بوجهها الملائكي وقالت “لا بأس أمي، أنا ما زلتُ أحبكِ”.

إذا أعجبكم مقال “مهما كان حجم الضغوطات لا تضحوا بحقوق أطفالكم” لا تترددوا في مشاركته أو كتابة رأيكم في التعليقات.

التعليقات مغلقة.