لماذا لم تعد تربية آبائنا تنفع مع أولادنا ؟(2)
تربية آبائنا: كثيرون منا يعتقدون أن الطريقة الصارمة التي اعتمدها أهلنا في تربيتنا كانت أفضل من طريقتنا في التربية .. فهل صحيح أن التربية الصارمة تنجح أم انها من الطرق الفاشلة؟
في هذا المقال من موقع التربية الذكية سنشرح السبب الذي يجعل التربية الصارمة غير فعالة، وسنشرح لك بالتفصيل حدود التربية الإستبدادية. الهدف من هذا المقال هو فقط مساعدتك على الخروج من هذه المعتقدات الراسخة في ثقافتنا والتركيز على هذا الموضوع.
التربية الصارمة تؤدي إلى تجسيد حب مشروط
كلما استخدمنا مركزنا المهيمن، كلما ظن أطفالنا أن الحب مرتبط بشروط بالمقابل. إليك على سبيل المثال تصوّر طفل مستوحى من هذا النموذج.
الظروف: أمي غاضبة جداً لأنني حصلتُ على علامة 9/20 في امتحان اللغة وهي بالكاد تتحدث إليّ هذا المساء.
ما أفكر فيه: أمي لا تحبني إلا حين أنال علامات جيدة –ضمنياً- أمي لا تحبني حين أحصل على علامات تعتبرها سيئة.
مشاعري (التي تنطلق من أفكاري): أنا حزين، أفتقد إلى الحب، أشعر أن لا أحد يفهمني، وأنني عديم الجدوى ومذنب لأنني لم أتمكن من جعل أمي سعيدة.
أفعالي (التي تنطلق من مشاعري): سأختفي عن الأنظار، أبقى في الزاوية الخاصة بي وأكرر مراراً وتكراراً الكلمات الجارحة التي قالتها أمي.
النتائج (التي تصدر عن أفعالي): تتدهور علاقتي مع أمي، يتم إفراغ مخزوني العاطفي، وتضعف ثقتي بنفسي.
لسوء الحظ ستؤكد النتائج تصوّره للأمور، ومرة أخرى سيقع الطرفان في نفس الحلقة المفرغة.
يولّد الخوف ردود فعل وأفكاراً لدينا جميعاً. حين نشعر بالخوف، نشعر بأن حركتنا قد شُلَت (أتذكرين حين كنتِ تفهمين درسك لكن تعجزين عن حل المسائل حين يناديك المعلم إلى اللوح؟). كما أن الشعور بالخوف قد يدفعنا إلى الهروب (في المثل أعلاه، يدخل الطفل إلى فقاعته كي يحمي نفسه). والاحتمال الثالث هو أن نهاجم (سأحدثك عن هذا الأمر في النقطة التالية).
حين يشعر الطفل بأنه عاجز أو حين يهرب بسبب الخوف، سيصبح شخصاً سلبياً وسيترك للشخص البالغ مهمة التحكم يحياته. وبالتالي ستنمو لديه صعوبات كبيرة جداً من ناحية تطوير بعض المهارات مثل أخذ المبادرات، البحث عن حلول، أو حتى التعبير عن أفكاره ومشاعره. وعلى نطاق أوسع، سيعاني من انعدام الثقة بالنفس ولن يتمكن من اتخاذ قرارات.
التربية الصارمة تولّد التمرد، النزاعات، والصراع على السلطة
الخوف يدفع إلى الهجوم
كما أخبرتك في الفقرة السابقة، ردة الفعل الثالثة التي قد نقوم بها لمواجهة الخوف هي الهجوم. في حال كان الشخص الخائف هو الطفل، قد يؤدي الخوف إلى جعله يتحدى أهله، يستفزهم، يهددهم، أو يركز على السلوك الذي لا يعجبهم. ستتكرر النزاعات وتصبح العقوبات أشد (لكن إلى أين ستنتهي بهم؟). سندخل حينها في علاقة (رابح/خاسر) التي ستؤدي إلى تدهور العلاقة أكثر فأكثر.
في هذه الموقف سيفكر الشخص الراشد بأن أطفال اليوم لم يعودوا يحترمون الكبار! سواء كان هذا الشخص في قلب الصراع أو يشاهده من بعيد.
تربية صارمة: “يجب أن تحترمني!”
كيف أفسر ذلك… أظن أنه لدينا مشكلة جدية في تعريف كلمة إحترام. حين كنا صغاراً، تعلّمنا دائماً أن احترام الكبار يقتضي إطاعتهم وعدم تحديهم والتنحي جانباً: “أنتَ، أيها الطفل، أنتَ مجبرٌ على احترامي!”. أنا متأكدة أن هذا ما جعلك تظنينه بعض الأشخاص الراشدين الذين كانوا يحيطون بك حين كنتَ طفلة. لدي ذكريات حول بعض الأساتذة الذين كانوا يعلمونني في السابق، بدأت تتبادر إلى ذهني الآن.
إلا أن الاحترام ليس ما تعلمناه في صغرنا. أن نكنّ الإحترام لأحدهم، لا يعني التصرف بهذه الطريقة أو تلك بدافع الخوف. ولا أن نقوم بالأمور التي لا تعجبه في الخفاء.
الإحترام لا يُفرَض فرضاً، بل يُعطى لمَن يستحقه
أن نحترم أحدهم، يعني أن نراعي مشاعره وأن نكن له تقديراً عميقاً، سواء كان حاضراً أو غائباً. لا يمكننا أن نفرض على أحدهم أن يحترمنا. نحن فقط مَن يستطيع أن يتصرف بطريقة تجعلنا نستحق نيل احترام الطرف الآخر. إذا كان أحد الوالدين يتمنى أن يحترمه طفله، فعليه أن يتصرف وفقاً لذلك. لأن الاحترام لا يُفرَض فرضاً، بل يُعطى لمَن يستحقه.
هذا ليس بالامر السهل، أوافقكم الرأي… خاصة وأن التعريف السيء للاحترام متأصل فينا!
التربية الصارمة لا تشجع على الانضباط الذاتي
حين نكون صارمين ومتسلطين (أنا الوالد إذن أنا أعلى منكَ شأناً، أنا أعلم كل شيء بينما أنتَ لا تعلم شيئاً). في هذه الحالة يوجه الوالدان حياة طفلهما. النتيجة هي أن الأمور ستجري بشكل سليم، وبشكل أسرع، وبشكل عملي أكثر بالتأكيد. لكن ما الثمن الذي سيُدفع ؟
عدا عن العلاقة التي تخلو من العواطف والتفاهم، لن تسمح التربية الصارمة للطفل بتطوير مهاراته الأساسية: الانضباط الذاتي.
عندما نظهر “سلطة فوقية”، نحن نقوم بتطبيق تحكم خارجي، أي أن الانضباط يكون مفروضاً من قِبَل الأب أو الأم. بالتالي يكون الطفل غير مسؤول عن تصرفاته، وسيتخلى أيضاً عن تحمّل أي مسؤولية خوفاً من النتائج.
الرقابة الذاتية بالنسبة له تقتضي أن يكون اللاعب الأساسي في حياته الخاصة وأن يتحمل مسؤولية النتائج السلبية الناتجة عن سلوكه. بالتالي فإن الدوافع التي تدعوه إلى التصرف سوف تكون حقيقية.
لاحظ أن ما يُذكَر هنا ينطبق على الصغار وكذلك على الكبار..
هل يجب أن نكون متساهلين؟
لا تدعي أنني قلتُ ما لم أقله! كما فهمت من خلال قراءة هذا المقال، أنا مقتنع بصدق أن التربية الصارمة، القاسية، المستبدة… سمِّها ما شئت – لا تعلّم الأطفال أي شيء مفيد.
ومع ذلك، فالتراخي والإفراط في التساهل في التربية هو بالنسبة إليّ نوع من الإهمال.
اقرأ أيضاً
لماذا التربية الصارمة غير فعالة وتؤدي إلى نتائج عكسية مع أولادنا؟