لا تكرروا مع أطفالكم ، ماض آلمكم .. إنهم يستحقون الأفضل

0

احتدم الجدال بين أمي وخالتي. كان عمري حينها حوالي 6 سنوات. لا أذكر الموضوع إطلاقاً. كل ما أذكره هو أن صوت الصراخ بدأ يرتفع، وبدأت أمي تبكي، فوقفتُ أمام أمي وصرختُ في وجه خالتي “أنتِ شريرة، أنا لا أحبكِ”. فما كان من أمي إلا أن… صفعتني.. صفعتني أمام الجميع.

ما الذي كانت تقصده بهذا التصرف، هناك 4 احتمالات:
  • لم تكن تقصد شيئاً، لم تفكر أصلاً، كانت غاضبة.
  • لم تكن تريد أن يقولوا عن أطفالها وقحين.
  • رغم حدة الموقف، فضلت (أختها) خالتي عليّ.
  • ربتنا على ألا نرد بوقاحة على مَن هم أكبر منا، ربما حتى في هذا الموقف لم تكن تريدني أن أتخطى الحدود.
ما فهمته أنا:
  • لا تدافعي عن نفسكِ، عن أمكِ، عن أهلكِ، عمن تحبين.. هذا خطأ..
  • لا تعبري عن مشاعركِ.. هذا عيب
  • تنازلي عن حقكِ.. وتفادي المشاكل

ملاحظة: أمي لم تكن تضربني نهائياً، كان هذا الموقف الوحيد الذي صفعتني فيه.

منذ ذلك الحين وأنا أتألّم بصمت، أواجه المواقف الصعبة بصمت وأجتازها بصمت. ربما جعلني ذلك أقوى، لا أدري. لكن ما أنا متأكدة منه، أن هذا الأمر جعلني طفلة حزينة حين كنتُ صغيرة، وإمرأة وأم وأخت وحبيبة وصديقة وموظفة حزينة حين كبرت.
إلى أن قابلتُ شخصاً علّمني كيف يُشفى المرء بمواجهة ماضيه، وبدأتُ أعبر عما يجول في بالي بشكلٍ أوضح شيئاً فشيئاً، أقله أمام مَن أحبهم أو أثق بهم.

محاولة تكرار الماضي مع طفلتي

كنا في زيارة في منزل والدة زوجي، فأخذت ابنة سلفتي الكرسي الذي كانت تجلس عليه طفلتي ودفعتها كي تنهض. جاءت إلي ابنتي التي تبلغ من العمر 4 سنوات تشتكي وتخبرني “ماما، نور ضربتني وأخذت الكرسي”. فغمرتُها وواسيتُها وقلتُ لها “لا بأس هي لا تقصد ذلك، إجلسي هنا بالقرب من ماما”. لم تقتنع أميرتي الصغيرة لوقتٍ طويل بالأمر. إنها محقة، جوابي ليس مقنعاً. تصرف نور كان خاطئاً. لكنني طلبتُ منها أن تتنازل كما علمتني أمي.

ذهبت أميرتي وقالت لنور هذا الكرسي لي، صفعتها نور، فقامت برد الصفعة. فوجئتُ بالجميع يصرخون بابنتي “أنتِ طفلة غير مهذبة، لم فعلتِ هذا؟”.
بدأتُ أفكر حينها لثوانٍ، طلبتُ من إبنتي أن تتنازل عن حقها. وها هم يهاجمونها لأنها رفضت وحاولت الدفاع عنه. يا لي من غبية، ما الذي أفعله بهذه الطفلة؟ أأكرر الماضي؟

مرحلة قلب الحدث

تجاهلتُ الجميع وتوجّهتُ نحو نور وسألتُها بهدوء “مَن كان يجلس على الكرسي أولاً؟” أجابت “أميرة”. “وأين كرسي نور؟” قالت “في الداخل”. فقلتُ لها “هيا أيتها الطفلة المهذبة الجميلة إذهبي وأحضري كرسيكِ كي تجلسا وأصوّركما معاً”. نهضت نور وطلبتُ من ابنتي أن تجلس مكانها. فصمتوا جميعاً، وابتسمت أميرتي بفخرٍ لأنني أعدتُ إليها ما يُعَد بنظرها حقها أمام الجميع.

انتبهوا لأبسط تصرفاتكم مع أطفالكم

كل تصرفٍ يُطبع في ذاكرة الطفل له تأثير كبير على شخصيته وتصرفاته في المستقبل. انتبهوا إلى تصرفاتكم أمام ومع أطفالكم وحاولوا ألا تسببوا جرحاً عميقاً في قلوبهم الصغيرة، الأمر بالغ الخطورة. لا يعنيي ذلك أن الأهل معصومون عن الخطأ. قد نخطئ جميعاً، لكن أقله يجب أن نفسر قصدنا أو عدم قصدنا فيما قلنا أو قمنا به لأطفالنا، علنا نخفف عنهم وطأة الأمر.

علموا أطفالكم أن من حقهم الدفاع عن أنفسهم وعن حقهم بطريقة مهذبة وذكية. إذا تعلموا التنازل في صغرهم، سيتنازلون حين يكبرون عن كل شيء، عن حبهم، عن حقوقهم المادية، عن أحلامهم وطموحاتهم..

مهما حصل لا تهينوا طفلكم أمام أحد. دعوا لحظات المحاسبة والعتاب والعقاب تتم على انفراد، كي لا تتحول من عملية تأديب، إلي عملية هدم شخصية طفل وتدمير ثقته بنفسه.

علاقتكم بكل الناس لا توازي شيئاً أمام علاقتكم بطفلكم: وأضع تحت هذه الجملة مئة خط. علاقتكم بطفلكم تحدد مستقبله، إن كُسِرَت كُسِرَ بنظره كل شيء، أنتم بالنسبة له مصدر الثقة والأمان. اجعلوه أولوية، هو يستحق ذلك

اترك رد