كيف تعلمّتُ التوقف عن مقارنة ابنتي بالآخرين.. بأصعب الطرق

0

مَن منا لا تتسلل من شفاهه عبارات كهذه في لحظات الغضب “ابنة جارتنا أفضل منكِ” “إبن عمكَ الأول في صفه” “أخوكَ ناجحٌ في المدرسة، لِمَ لستَ مثله؟”… دون أن ندرك وقع هذه الكلمات على نفوس أطفالنا وحاضرهم ومستقبلهم.. وحتى لو لم نتفوّه بها، قد نفكّر بها في قرارة نفسنا دون أن نشعر.

توقفوا عن المقارنة.. تعلّمتُ الدرس بأصعب الطرق

وُلِدَت طفلتي الأولى. كل شيءٍ كان على ما يُرام في فترة حملي. إلا أنها دخلت بضعة أيام إلى الحاضنة بعد الولادة. انتهى كابوس الحاضنة ليبدأ كابوس آخر كان يزداد وقع الرعب الذي يثيره داخلي كلما كبرَت أكثر.
حمّلتُ تطبيقاً لمراقبة نمو الطفل. الطفل يجب أن يبدأ بالتواصل بالعينين بعد بضعة شهور، لكنها لم تفعل. الطفل يجب أن يصدر أصواتاً بعد بلوغ 3 أشهر، لكنها لم تفعل. والطفل يجب أن يحرك عينيه باتجاه الصوت في عمر ستة أشهر، لكنها لم تفعل. الطفل يجب أن يردد بعض الكلمات عند بلوغ السنة، مع الأسف لم تفعل. كان تواصلها محدوداً جداً، تأخرت في كل شيء، في الجلوس وفي رفع رأسها والتمكن من النهوض. كانت صدمة كبيرة، لم أكن أدرك ماذا أفعل.

كبرت ابنتي واكتشفتُ أنها تعاني من متلازمة من سماتها التأخر المترافق باضطراب طيف التوحد. وهنا بدأت التساؤلات الأصعب…لِمَ أنا؟ لِمَ إبنتي؟ والأسوأ من كل هذا، أنني كنتُ أقارنها بباقي الأطفال من عمرها. وكان ذلك يدمّرني بكل ما للكلمة من معنى. ابنة جارتنا تقول 10 كلمات، ابن صديقتي مشى في هذا السن، هذه الطفلة تتواصل بشكلٍ سليم. لِمَ ابنتي مختلفة؟ ولِمَ أطفالهم أفضل من ابنتي؟ لِمَ حظ ابنتي من هذه الدنيا بهذا السوء؟

كان هذا أغبى ما يجب فعله في مثل هذا الوضع، أو حتى في أي وضع.. المقارنة.

متى توقفتُ عن المقارنة؟ حين دخلتُ إلى مدرسة أطفال يعانون من صعوبات لتسجيل إبنتي في قسم التوحد، منهم الكفيف ومنهم الأصم ومنهم مَن يعاني من نوبات صرع ويتألم بشكلٍ يومي. وتساءلتُ عن شعور أهلهم والمأساة التي يعيشونها. وتذكرتُ أن ابنتي بخير، على الأقل هي لا تتألم. الأمر فقط أنها تنمو وفق وتيرتها الخاصة. بكيتُ، بكيتُ كثيراً، بكيتُ لحال هؤلاء الأطفال، وبكيتُ على حالي سابقاً.. أنا مَن كانت كفيفة، أنا مَن أعمتها أنانيتها عن رحمة الله ولطفه، أنا مَن لم تكن تدرك أن لله في خلقه شؤون، وأن التنكر لنعم الله قلة إيمان.

حينها فقط بدأتُ أرى مميزات ابنتي ونقاط قوّتها، وتمكّنتُ من مساعدتها على التطوّر والتحسّن. مقارنة أطفالنا بمَن هم أفضل منهم، تجعلنا نركّز على نقاط الضعف، ونخسر أطفالنا ونحرمهم من فرص كثيرة للتطوّر دون أن نشعر.

freepik.com
لماذا لا يجب أن تقارنوا أطفالكم بباقي الأطفال؟
كل طفلٍ ينمو بوتيرة مختلفة:

“كل طفل يمثل نوعاً مختلفاً من الزهور، ولكل زهرة شكل ورائحة تميزها.. جميع الأطفال يشكلون في هذا العالم حديقة رائعة الجمال”.. ففي الحقيقة لا يوجد قاعدة عالمية يتم تطبيقها بحذافيرها على كل الأطفال، بعض الأطفال يطورون مهارات لغوية قبل أن يمشوا، والبعض الآخر العكس. وبعض الأطفال يبدأون بالتواصل قبل الحصول على أول سن، والبعض الآخر العكس.. كل طفلٍ ينمو وفق وتيرته الخاصة.

كل طفلٍ يتميّز بطريقته الخاصة:

حسناً، ابنتي مختلفة، مختلفة جداُ، لكن اكتشفتُ لاحقاً أن هذا أجمل ما فيها. لا تتواصل كباقي الأطفال، لكن في عينيها نظرة تقول كل شيء. لا تحب التواصل بالكلمات، لكنها تتواصل عبر الصور بشكل جيد. ولا تحب أن تكتب بالقلم، لكنها تتعلّم بطريقة مختلفة، بدأت تكتب عبر الحاسوب بضع كلمات وأبدت تميّزاً في هذا المجال… كذلك باقي الأطفال.. صحيح أنني توصّلتُ إلى هذا الاستنتاج بأقسى مثال، لكن الأمر ينطبق على أطفالكم أيضاً.

لا تطلبوا من أطفالكم أن يشبهوا أحداً..

دعوا أطفالكم يكتشفون ما يميّزهم، شجعوهم على خوض المجال الذي يبرعون فيه. كل طفلٍ يتفاعل في هذا الكون بطريقة مختلفة. إتّبعتُ حب ابنتي للموسيقى، وها هو العلاج الموسيقي اليوم قد ساعدها على اكتشاف صوتها والبدء بنطق بعض الكلمات، كان ذلك كالسحر بالنسبة إليّ بعد أن فقدتُ الأمل. اتبعوا قلوب أطفالكم الصغيرة، فحدسهم لا يخيب، دعوهم يشبهون أنفسهم وسوف يبهرونكم بأروع الطرق.

سلبيات مقارنة أطفالنا بغيرهم من الأطفال:
  • المقارنة تدمّر ثقتكِ بطفلك: حين تعتمدين أثناء تقييمكِ لطفلكِ على مقارنته بالآخرين، ستفقدين الثقة به وبقدراته. وتتناسين مميزاته ونقاط قوته، وستركزين تلقائياً على نقاط الضعف لديه.
  • والمقارنة تدمّر ثقة الطفل بنفسه: مقارنة طفلكِ بطفلٍ آخر تجعله تلقائياً يفقد ثقته بنفسه. فأنتِ لا تجدينه مقبولاً مهما فعل بأي حال.
  • المقارنة تنمي مشاعر الغيرة والحسد: نتيجة انعدام ثقته بنفسه، ولأنكِ علمته من البداية أن يقارن نفسه بالآخرين، لن يشعر طفلكِ بالرضا عن نفسه أبداً. وسيشعر بالغيرة من أي شخصٍ أفضل منه. ولن يكتفي يوماً بما يملكه لأن مفهوم القناعة لديه سيكون معدوماً. ليس المطلوب من أطفالنا أن يكونوا أفضل من غيرهم، بل أفضل مما كانوا عليه بالأمس. بهذه الطريقة فقط سيتسلقون سلم النجاح وفق وتيرتهم الخاصة وسيصلون حين يحين الأوان.

سماح خليفة

اترك رد