تذكري جيداً.. لحظةٌ واحدة تفصل بين القرار الخاطئ والقرار السليم

0

القرار الخاطئ والقرار السليم

كانت حرارة ابنتي الصغرى مرتفعة جداً، ولا يوجد ما يوترني بقدر ارتفاع حرارة الطفل.كنتُ أحملها وكانت تبكي بسبب ألمٍ في معدتها وكلما أعدتها إلى سريرها تزداد حدة البكاء. بقينا هكذا طيلة الليل، ثم نامت ساعتين بعد أن انخفضت الحراراة. ومن ثم استيقظت على نفس الوتيرة من البكاء المتصاعد.

أتت أميرتي في هذه اللحظات تريدني أن أغمرها قائلةً “ماما أريد أن أحبكِ”. أجبتُ “حبيبتي ليس الآن، نايا مريضة وحرارتها مرتفعة جداً”. لكنها ذهبت وعادت محضرةً قصة تريدني أن أقرأها لها، كأنها تتجاهل كلامي تماماً. فأجبتُها دون تفكير “ألم أقل لكِ أختكِ مريضة؟ سأحكي لكِ القصة مساءً”. سرعان ما شعرتُ بالندم، عمرها 4 سنوات، وهي تشعر بالغيرة حتماً، وقد زدتُ الأمر سوءاً بتصرفي الغبي.

السلوك السيء ردة فعلٍ صامتة نتيجة الشعور بالغيرة

انتظرتُ إلى أن هدأ بكاء ابنتي الصغرى قليلاً. وذهبتُ إلى غرفة أميرتي، حيث وجدتُ القصة ممزقةً إرباً إرباً متناثرة في جميع أنحاء الغرفة، وأميرة تلعب بالدمية بمفردها.
كان أمامي خيارين، إما أن أبدأ بالصراخ وأفقد السيطرة على أعصابي بعد يومٍ كاملٍ من التوتر والقلق لم أحظَ خلاله سوى بساعتين من النوم. أو أن أتصرّف بحكمة وهدوء.

اقتربتُ منها، وطلبتُ منها أن تأتي كي أغمرها. تجاهلتني وأكملت اللعب بدميتها، حتى أنها بدأت تكلّم نفسها كأنها تقصد ألا تسمعني. اقتربت منها وحملتها بهدوء وأجلستُها في حضني على حافة السرير.

بدأتُ أخبرها بأنني أحبها كثيراً وأنني أحملها يومياً في قلبي كما كنتُ أحمل نايا، لكنني اضطررتُ إلى حملها أكثر لأنها مريضة.
فأجابت بصوتٍ منخفض “لكنكِ لم تحملي أميرة حين كانت تسعل طيلة اليوم؟”.

في مخيّلتها الصغيرة كان عليّ أن أحملها آنذاك طيلة اليوم لأنها كانت مريضة.

فأجبتُها “حسناً معكِ حق، في المرة المقبلة سأحملكِ طيلة اليوم.” وبدأنا بجلسة الدغدغة واللعب وعادت إليها ضحكتها اللطيفة.
ثم بعد بضع دقائق ادّعيتُ أنني رأيتُ القصة الممزقة للتو وسألتُها باستغراب “مَن الذي فعل هذا بقصتكِ الجميلة؟ كنتُ أود أن أقرأها لكِ الآن”.

فنزلت من حضني وبدأت تلملم الأوراق وقالت “أنا آسفة أمي، لقد كنتُ غاضبة.. ومزّقت يدايَ القصة دون أن أنتبه”.

فأجبتُها ضاحكةً “حسناً أخبري يديكِ أن هذا تصرف غير سليم، وأن القصة لكِ. في المرة المقبلة إن كانت يداكِ غاضبتين إلى هذا الحد، تعالي وأخبري ماما وسنحل الأمر”. ثم أشرتُ لها إلى درجٍ ممتلئ بالأوراق القديمة، وأكملت “أخبريهما أيضاً بأن هناك أوراق قديمة في هذا الدرج، من المسموح لهما تمزيقها، شرط إعادة جمعها ورميها في سلة المهملات“.

لحظةٌ واحدة تفصل بين القرار الخاطئ والقرار السليم. وقرارٌ واحدٌ خاطئ قد يدمّر الكثير. أطفالنا أرواح بريئة، بريئة جداً، ونحن مسؤولون عن تصحيح أفكارهم الخاطئة أو تأكيدها عبر تصرفاتنا. لو اخترتُ الخيار الأول وانفعلتُ، لازداد ظنها بأنني أحب أختها أكثر، ولازداد حجم الحزن في قلبها. لا بأس ببعض التعب الإضافي، الأمر يستحق، بل لا يوجد ما يستحق أن نجرح قلوبهم الصغيرة.

سماح خليفة

اترك رد