كيف تؤثر طفولة الأهل التعيسة في تعاسة أطفالهم؟

0

طفولة الأهل:
ناقش الخبراء لأجيال الاختلافات حول سؤال قديم: هل هي الطبيعة أم التربية؟ هل الجينات وعوامل الوراثة الأهم في تربية الطفل أم محيطه؟ ما الذي يحدد فعلاً ما سيصبح عليه الطفل؟ الجواب هو كلاهما… لا بل أكثر من كليهما. تتأثر رحلة طفلكم نحو سن الرشد بالصفات والميزات التي حملها منذ الولادة لكنها تتشكّل أيضاً بحسب شخصيتكم أنتم وبما تقدمونه لعملية التربية.

كيف تؤثر طفولة الأهل في أولادهم؟

كيف نصبح ما نحن عليه؟ حسن، إليك تفسير بسيط. يولد الطفل مع مجموعة من الصفات والميزات والميول الوراثية. قد يكون طويلاً أو قصيراً، ذا شعر أشقر أو داكن؛ قد يتمتع بقوة جسدية وتناغم في الحركة أو بموهبة فطرية في الموسيقى والإبداع. ولهذا الطفل والدان شأنه في ذلك شأن كافة الأولاد. لعل والده ووالدته محبان وهو يعيش في بيت مريح، أو لعله يعيش مع أمه فقط أو يعرض للتبني منذ ولادته. سيضطر لأن يستخدم القدرات التي يتمتع بها منذ الولادة كي يفهم محيطه وكي يقرر كيف ينمو وينجح… أو كيف يظل على قيد الحياة.

وقائع إن التجارب التي عشتها والقرارات التي اتخذتها شكّلت طريقة تفاعل دماغك مع العلاقات، بما في ذلك علاقتك بابنك. سيساعدك استكشاف وفهم تجارب طفولتك في فهم ابنك والتواصل معه فيما هو يكبر.

إحدى الميزات التي تجعل منا بشراً هي حاجتنا لإعطاء معنى لكل ما نختبره. بمعنى آخر نحن نتخذ قرارات لاواعية بشأن كل شيء في حياتنا، بدءً مما إذا كنا محبوبين أم لا أو مرغوب فينا، وصولاً إلى ما إذا كنا أذكياء أو جميلين أو رياضيين. يسمي الباحثون هذه القرارات الأولية «تكيّف» ويقولون إنّ معظم شخصية الراشد تتألف من عمليات تكيّف قمنا بها خلال رحلتنا في الحياة. وليس مفاجئاً أن نقول إنّ الأهل يتركون أثراً كبيراً على عملية التكيّف التي يقوم بها الأولاد.

ضغط الأمومة
freepik.com

مما لا شك فيه أنك ستكتشفين فيما أنت تربين ابنك أنّ الأمومة تدعوك إلى التوصّل إلى تفاهم مع سنوات حياتك الأولى لأن طفولة الأهل تلعب دوراً هاماً. إنّ احد الأشياء القيّمة التي يمكن أن تقومي بها كأم هو أن تخصصي بعض الوقت لفهم تجاربك الخاصة وما قررته بشأن ذاتك وبشأن الآخرين نتيجة لذلك. يقترح دانيال ج. سياغل، دكتوراه في الطب، وماري هارتزل، ماجستير في التربية، بعض الأسئلة للتفكير ملياً في النظرة إلى البيولوجيا العصبية والتربية، «التربية من الداخل».

فكّري ملياً في هذه الأسئلة واكتبي الأجوبة:
  • ممن تألفت عائلتك فيما كنت تكبرين؟
  • كيف كانت علاقتك بأمك؟ وبأبيك؟ هل تحاولين أن تكوني مثل (أو مختلفة عن) أحد والديك؟
  • كيف علّمك والداك قواعد السلوك؟ كيف تشعرين أن هذا يؤثر في دورك كأم اليوم؟
  • ما الطريقة التي كان والداك يتواصلان بها معك حين تكونين سعيدة ومتحمسة؟ وما الذي يحصل عندما تكونين غاضبة أو تعيسة؟ هل تختلف ردود أفعال أمك عن ردود أفعال أبيك خلال المواقف الانفعالية والعاطفية؟ كيف؟
  • ما الأثر الذي تركته طفولتك على حياتك كشخص راشد عموماً، بما في ذلك رأيك في نفسك كوالدة وفي الطريقة التي تتعاملين بها مع أولادك؟ إذا استطعت أن تغيري شيئاً في طريقة تعاملك مع ابنك فما الذي تغيّرينه؟

قد لا يخطر لك أن تجاربك الخاصة تؤثر في طريقة تربيتك لابنك، لكن الأبحاث في مجال الارتباط تخبرنا بغير ذلك. فالأهل الذين تمكنوا من التفاهم مع ماضيهم، الذين يملكون ما يعرف بالسرد المتماسك لطفولتهم وسنوات حياتهم الأولى، محضرون بشكل أفضل لإقامة علاقات سليمة وصحيحة مع أولادهم.

التعلّم من الوالدين

أثارت الإجابة على الأسئلة المتعلقة بطفولتك بعض الذكريات القديمة على الأرجح. ولعل بعضها سعيد فيما جعلك البعض الآخر تشعرين بالحزن أو حتى بالغضب. فكّري ملياً في ذكرياتك ولاحظي ما إذا كان من السهل أن تخبري قصتك. إذا استطعت أن تبدئي من بداية حياتك وأن تروي قصتك بنعومة وسلاسة من دون ثغرات كبيرة ومن دون أن تشعري بالصدمة أو الضيق، فثمة احتمال كبير أن تملكي سرداً متماسكاً.

القصص، قصصنا وقصص الآخرين، هي المعنى الذي نعطيه لحياتنا. يقول الباحثون إن ما يحدث لنا ليس مهماً بقدر ما نقرره بشأن ما حدث لنا أيّ أن المعنى الذي أعطيناه لتجاربنا الأولى أهم من وقائع ما حدث لنا.
بالتالي، يمكن للطفولة الصعبة أن تجعل تربية ابنك أكثر تعقيداً. في العام 1995، بدأ مركزا السيطرة على الأمراض وكايسر برماننت دراسة متقدمة على 17000 شخصاً عرفت باسم دراسة ACE . وقد وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين عاشوا تجارب غير ملائمة في الطفولة، كالاعتداء الجسدي أو الجنسي، أو الإهمال، أو سجن أحد الوالدين، أو معاناة أحد الوالدين من مرض عقلي أو اكتئاب أحد الوالدين، هم أكثر عرضة للإدمان على الكحول أو المخدرات، أو الإصابة بالاكتئاب أو لمحاولة الانتحار أو العنف المنزلي أو المشاكل الصحية كأمراض الرئتين أو الكبد. إذا عشت طفولة صعبة، فأفضل ما يمكن أن تقدميه لابنك هو أن تفهمي وتعالجي أيّ مسائل عالقة من ماضيك الخاص.

شكّل والداك تجاربك الأولى للأحسن أو للأسوأ وأنت تشكلين تجارب ابنك. سيساعدك تخصيص بعض الوقت لتفهمي من أين أتيت (ولتقرري الوجهة التي تريدينها) على أن تكوني أماً حكيمة وحنوناً.

اترك رد