إهانة الأطفال لا تصنع منهم “رجالاً”!
إهانة الأطفال لا تصنع منهم “رجالاً”!
وقف جارنا بالقرب من الصبي الذي يعمل في المقهى الذي يقع بجوار المبنى الذي نسكن فيه. أمسكه بيده وشد عليها قائلاً “هيا أحضر لي فنجان قهوة وزجاجة مياه”. فقال له الصبي الذي يبلغ حوالي 8 سنوات بصوتٍ منفعل “أفلتني، يدي تؤلمني”. فاستمر بالإمساك بيد الصبي قائلاً “لن أفلت يدكَ إلى أن تكرر ما طلبته منك”. صرخ الطفل “حسناً سأحضر لك ما تريد! دعني وشأني”. ثم نعت الطفل بالغبي ولم يعطِه المال مباشرةً بل أخذ يراوغ ويماطل حتى يزداد غضب الطفل.
هو نفس الجار الذي يصرخ في ابنه حين يسخر من أخته قائلاً “أنتِ غبية وصغيرة جداُ، لن تتمكني من فعل شيء”، قائلاً “من العيب التحدث مع أختِكَ بهذه الطريقة!”.
اقتربتُ منه وسألته “لِمَ فعلتَ هذا، لقد قال لكَ إن يده تؤلمه”. فأجاب ضاحكاً “كنتُ أمازحه”. فكررتُ قائلةً “وهل إيذاء الآخرين ممازحة، لقد أخبركَ أن يده تؤلمه!”. فقال “ما المشكلة في ذلك، نحن نستخدم هذه الطريقة كي نعلمه كيف يصبح رجلاً”. فاستغربتُ لأنني أعلم تماماً أنني أتحدث مع شاب اجتماعي مثقف متعلم واعٍ يتولى وظيفة مرموقة، وسألته مستفسرةً “وهل التنمر على طفلٍ يصنع منه رجلاً؟َ”. استمر في الضحك قائلاً “لا تبالغي في الأمر. جميعنا نتعامل معه بهذه الطريقة كي يصبح أقوى. فهو ساذجٌ جداً وبسيط”.
أنهيت الجدال فقد شعرتُ أننا من كوكبين مختلفين تماماً وأن سبل التواصل قد انقطعت لأن المبادئ الأساسية غير متشابهة إطلاقاً.
لطالما تساءلتُ من أين يأتي الأطفال بهذه السمات السيئة، وكيف يصبحون بهذه القسوة وهذا الشر ويتنمرون على من هم أضعف منهم ويقللون من شأنهم دون اكتراث لمشاعر بعضهم البعض. الأطفال بطبعهم ملائكيون، لا يحملون حقداً ولا يقولبون الناس بأسلوي تفريقي كما نفعل. نحن مَن نزرع هذه الصفات فيهم.
إهانة الآخرين والتقليل من شأنهم ليس ممازحة.
لم أعد أتفاجأ. فنفس الشخص الذي يحاول تربية طفله على القيم الحميدة ويمنعه عن التنمر على أخته أو باقي الأطفال، يتصرف بطريقة قاسية ودونية مع طفل صغير على مرأى من طفله قائلا إنه “يمازحه”. أطفالنا لا يتبعون ما نفول، بل يقلدون ما نفعل. لا يجب أن يتفاجأ هذا الوالد إن رأى ابنه يضرب أخته الصغرى ويخبر والده رداً على توبيخه له بأنه “يمازحها”.
أتساءل عن مستقبل ذاك الطفل المسكين الذي يتعرض يومياً للتنمر. إما أنه سيصبح خاضعاً مذلولاً ضعيفاً طيلة حياته، أو أنه سيصبح عدوانياً وربما قد ينضم إلى مجموعات “قوية” كي يحمي نفسه من الآخرين ويتبع طريقاً ضالاً. والمؤكد حتماً أنه سيتنمر على مَن هم أضعف منه أو أصغر سناً.
سماح خليفة