ويحدث أن يعتبر بعض الأهل التنمر.. أسلوب تربية!
ماذا لو اعتبر بعض الأهل التنمر.. أسلوب تربية! هل التنمّر أسلوب تربية مقبول؟ وهل علينا التغاضي عن التنمّر؟ وهل القسوة أسلوب نافع في التربية؟
إنها العطلة الصيفية وقد آن الأوان للاستمتاع بوقتنا مع أطفالنا بعيداً عن أجواء المدارس والامتحانات. كانت ابنتاي تجلسان بالقرب مني فيما رحت أحضّر الطعام مع زوجي والأصدقاء عندما لفتني مشهد غريب. لم أصدّق عينيّ للوهلة الأولى وخطر لي أن ما أراه ليس حقيقياً. كنتَ أؤكد لنفسي أنه لا بد من وجود خطب ما.
حمل أحد البالغين طفلاً يبلغ من العمر حوالى ثلاث سنوات وأجلسه على مجموعة كراسٍ وضعت فوق بعضها البعض فأصبح على مسافة عالية عن الأرض. بعدئذ، راح يتحدث إلى الطفل بطريقة مستفزة قائلاً “هيا أرِني الآن كيف ستنزل. سوف أترككَ هنا حتى الغد”. نظرتُ الى الطفل ورأيتُ تعابير الخوف، لا بل الرعب ترتسم على وجهه وبدأ يصرخ “جدي أنزلني أرجوك”. نعم، هذا الرجل جده! أخذ الجد يضحك عالياً وابتعد عن الطفل قائلاً “أنتَ جبان جداً”.
ما كان للطفل إلا أن بدأ ينادي والده “أبي ساعدني! أنا خائف! أنزلني من هنا!”. رأيتُ الأب يقترب فتنفستُ الصعداء وقلت في نفسي ها قد حلت المشكلة ولا داعي للتوتر.
لكن ما حصل بعدئذ جعل غضبي يزداد. تقدّم الأب من المكان الذي أُجلس الطفل فيه، ووضع يديه على أذنيه وهو يقول: “هل هناك من يناديني؟ أنا لا أسمع. هل من أحد هنا؟” ومرّ بالقرب من الطفل كأنه غير مرئي. راح الطفل يلوّح بيديه لأبيه كي يراه فكاد يقع. والكارثة هي أن المسافة التي تفصل الطفل عن الأرض ليست بصغيرة إطلاقاً كما أنّ شباكاً حديدية غير عاليّة تفصله عن المنحدر الجبلي الحاد الذي يمتد خلفه وعلى مسافة ليست ببعيدة! ثمة خطر حقيقي على حياة الطفل ناهيكم عن الخطر الذي طال صحته النفسية في تلك اللحظة.
كانت أسرة الطفل تجلس في مكان قريب، فبدأت أبحث عن الأم وإذا بها تنظر إلى ابنها وتضحك ثم تكمل حديثها مع صديقتها أو قريبتها.. لا يهم. أكملت كأن شيئاً لم يحصل! فبدأتُ حينها أتساءل. هل أنا أم مجنونة تبالغ في مشاعرها وفي حماية أطفالها؟ هل الأمر طبيعي إلى هذا الحد. لكن لا! الطفل في خطر. ما الذي دهى هؤلاء الناس؟ أهم يلاعبونه أم يعاقبونه؟ هل هذا أسلوب تربية؟
لو رأيتُ هذا المشهد في فيلم سينمائي عن التنمر لقلتُ في نفسي إنّ خيال المؤلف واسع جداً وإنه يبالغ في تصويره لكن ما حصل كان حقيقة للأسف.
وتذكّرت أنّ هذا الطفل قد اقترب مني صباحاً حين كنتُ أعتني بابنتي وهي تلعب على الأرجوحة.. وطلب مني أن أجلسه على الأرجوحة الثانية وأدفعه بقوة قائلاً “أريدك أن تدفعيني بقوة، فأنا لا أخاف شيئاً، أنا قوي جداً”. طلبت منه حينذاك أن ينادي والدته لأنني خفت أن يتأذى.
تساءلت حينها أين والديّ هذا الطفل المسكين، ولما يطلب من الناس الإهتمام به، ومن الذي أخبره أن القوة هي المخاطرة بالذات إلى هذا الحد. ها قد اكتشفت من هما والديه. وفهمت كل شيء.
بعدئذ، أتى أحد المشرفين على المكان وطلب منهم إنزال الطفل لأن المكان الذي يجلس فيه يشكل خطورة على حياته. هدأت حينها قليلاً وأغمضتُ عينيّ وتذكرت أبي المتوفي حين كان يحملني ويرميني إلى أعلى.. تذكرتُ كيف كنتُ أضحك بكل ثقة، لأنني أعلم أنه لن يسمح بأن يصيبني أي مكروه، وأنه لن يتركني أقع بل سيلتقطني لا محالة. كان في كل مرة يحملني ويدور بي ويتوقف ويغرقني بوابلٍ من القبل. تذكرتُ كيف كنتُ أركض وأختبئ خلفه حين تغضب مني أمي وأضحك لأنها لن تتمكن من معاقبتي. تذكرتُ ذاك الشعور بالأمان الذي فقدته عندما توفي على الرغم من أنني لم أعد طفلة.
وتساءلتُ بحسرة وحزن.. ما الذي سيحمله هذا المسكين في ذاكرته حين يكبر؟ ما الذي سيتذكره عن أمه وأبيه؟
سماح خليفة