تحدثوا مع أطفالكم… معظم الأطفال يعانون بصمت
تحدثوا مع أطفالكم… معظم الأطفال يعانون بصمت
لقد كانت المرة الأولى التي تصفعني فيها أمي أمام الناس. كنتُ في الرابعة عشر من عمري تقريباً. لم أكن أتمتع بشخصية اجتماعية إطلاقاُ. كان لدي صديقة واحدة. صديقة واحدة فقط. تعرف أخي على أختها وخطبها، ثم انفصلا…
تدمر أخي نفسياً. أصيب باكتئاب ووجد صعوبة في تفهم ما حصل. كانا يخططان للزواج. وفجأة بدأ أهلها يفرضون عليه شروطاً تعجيزية أولها أنهم طلبوا منه تغيير انتمائه المذهبي وهم يعرفون تماماً أنه لن يوافق…
ذهبت أمي لتحاول العثور على حل واصطحبتني معها.
ما زلتُ أذكر التفاصيل.
أول ما قالته والدتها لأمي “كيف وافقتِ أن تنام ابنتكِ في منزلنا.., أنتم عائلة بلا مبادئ”. لم أفهم السبب. ثم قالت “ابنتكِ تغار من ابنتي، لقد كانت تبكي لأن ابنتي حصلت على علامة أعلى في الإمتحانات الرسمية”، أيضاً لم أفهم السبب.
ما زلتُ أذكر الموقفين. ترجتني صديقتي قبلها بفترة كي أنام في منزلهم. اتصلتُ بوالدتي وبعد أن تحدثَت مع والدة صديقتي وافقت. لم أكن أفكر بأي عواقب… كيف لهم أن يطلبوا مني أن أبقى في منزلهم إن كان هذا ضد مبادئهم. ثم إن أمي كانت تثق به، لم نتوقع إطلاقاً أن يفكروا بهذه الطريقة.
أما عن الإتهام بأنني اتصلتُ بصديقتي وبكيت عند إعلان النتائج الرسمية. فقد كان السبب أنها توقفت عن التواصل معي لفترة بسبب المشاكل بين أختها وأخي. واتصلتُ بها وبكيتُ لأننا اتفقنا أن نسمع النتيجة ونحتفل معاً. ظننتُ أنها فهمت ولم أخبرها عن سبب بكائي. أيعقل أن يظنوا أنني بكيت لأنها حصلت على معدل أعلى؟ لكن ما الذي قد يدفعني إلى التفكير بهذه الطريقة؟ إنها صديقتي.
في ذلك اليوم الذي لم أنسَه إطلاقاً، دخلنا إلى منزلهم وكنتُ مشتاقة إلى صديقتي الوحيدة جداً. مرت بالقرب مني ولم تسلم عليّ حتى. أيضاً لم أفهم السبب. وحين بدأت أمها بالتحدث عني بطريقة سيئة، حاولتُ أن أدافع عن نفسي. لكن بمجرد أن بدأتُ بالكلام، صفعتني أمي وبكيت.
كنتُ أعلم أنها لا تقصد. لقد كانت منفعلة ومتوترة وتفكر بأخي الذي يمر بحالة نفسية سيئة جداً وبكلماتهم الجارحة. لم يؤثر بي أنها صفعتني، بقدر ما أثرت بي نظرات صديقتي التي تحمل شماتة، وصدقاً إلى يومنا هذا، لم أفهم السبب.
كل ما أدركه أنني خسرتٌ صديقتي الوحيدة والتزمتُ الصمت.
بدأ الجميع يهتمون بأخي ويدعمونه كي يتمكن من استرجاع ثقته بنفسه ونسيان حبيبته… ونسوني… لم ينتبه أحد إلى أنني خسرتُ حينها صديقتي الوحيدة. لم يروني حتى. لكن كيف سيرونني وأنا لا أصدر اصلاً أي صوت؟ مَن الذي سيخبرهم بأنني كنتُ محطمة نفسياً إن لم أفعل؟
نعم، تجمعوا جميعاً حول أخي ونسوني في الخلف… تماماً كما كانوا يجعلونني أحمل معهم الأكياس أثناء التسوق. ويستمرون بالتحدث وينسونني في الخلف، فأترك الأكياس من التعب والانفعال غيظاً لأنهم لا يرونني، وأركض خلفهم لأتمكن من اللحاق بهم، فيستغربون تصرفي وتركي للأغراض التي كنتُ أحملها. حتى يومنا هذا لم يعلموا أنني كنتُ أترك الأكياس لأنها تفوق قدرتي على الحمل ولأنني أحزن عندما ينسونني في الخلف، وحين يتحدثون عن الأمر يقولون إنني كنتُ طفلة مزاجية وغريبة ويضحكون. مع ذلك ما زلتُ أبتسم وأستمر بالتزام الصمت.
لقد كانت إحدى الصدمات التي هزت ثقتي بالجميع.
بالأصدقاء، بالناس… وبأمي. منذ ذلك الحين ازداد انعزالي وبعدي عن الناس وخوفي الشديد من خوض علاقات.
هناك أمور تحصل مع أطفالنا لا ندرك مدى تأثيرها على نفوسهم. رجاءً تحدثوا مع أطفالكم، اسألوهم عن مشاعرهم تجاه ما يجري، عن آرائهم وأفكارهم. إن لم تبدوا اهتماماً لن يتكلموا، وإن لم يتكلموا لن تتمكنوا من تفادي عواقب معاناة ستستمر بالتزايد في نفوسهم وستثؤثر على شخصياتهم مدى الحياة. كما أن معظم الأطفال لا يتحدثون عن مشاعرهم… معظم الأطفال يعانون بصمت.
إذا وجدتم مقال “تحدثوا مع أطفالكم… معظم الأطفال يعانون بصمت” أخبرونا في التعليقات عن تجارب مرتم لها في طفولتكم وعانيتم “بصمت”.