لماذا التقارب الشديد بين الأم وابنتها يقضي على شخصيتها ؟

0

التقارب الشديد بين الأم وابنتها:
حياناً يظهر الإهمال على شكل محاولة مستمرة للتحكم والتلاعب بالاهتمام والمتطلبات، على حساب الطفل.المفتاح الرئيسي لمعرفة ما إذا كانت الحالة على هذا النحو هو وجود غياب كامل للحدود في العلاقة بين الأم وطفلها.

حين نتخيل أماً لا تحب طفلها بما يكفي أو لا تلبي احتياجات طفلها العاطفية، غالباً ما نتخيل امرأة باردة تستمر بالانتقاد والحكم على الآخرين، وربما حتى قاسية.

لقد خلّدت الثقافة العامة هذا النوع من الأمهات على أنها أشبه بزوجة الأب الشريرة التي تظهر في حكاية بياض الثلح والأقزام السبعة الخرافية.

لا يوجد أدنى شك بان الإهمال العاطفي يكون احياناً على هذا النحو، لكن هذا النموذج لا يمثل الوجه الوحيد للإهمال العاطفي.

الإهمال هو نوع من عدم المراعاة لاحتياجات أطفالك، كما أنه نوع من التغاضي عن هذا الإحتياجات.

ويمكن أن يتجسد هذا التغاضي عبر أمومة شديدة وتدخل مفرط لا فقط بالإهمال والتجاهل أو النقد.

الحدود هي مفاتيح كل علاقة سليمة صحية

يعد فهم هذه الحدود اليوم مهماً بشكل كبير، بعد أن أصبحت العلاقة بين الأم وابنتها أكثر شيوعاً على النحو التالي، حيث تتنفس الأم حرفياً خلف رقبة ابنتها وتتدخل بكل تفاصيل حياتها، محاولةً أن تكون صديقتها المفضلة.

تعتبر الأم التي تلعب دور “الصديقة المفضلة” نموذجاُ خطيراً يتيح للأمهات تجنب القيام بدورهن الأساسي، على اعتبار أن العلاقة التي تجمعهن ببناتهن متساوية.

الحقيقة هي أنه وبغض النظر عن مدى قربكِ من ابنتكِ، لا يمكنكما أن تكونا متساويتين أبداً.

الطفل كامتداد لشخصية الام – نموذج مختلف من نماذج الإهمال العاطفي

هناك العديد من أشكال الأمومة التي لا تولي أي احترام لحدود الطفل، ولكل منها تأثير كارثي على نموه.

الأمهات اللواتي يعانين من نرجسية قوية، أو اللواتي يملن إلى التحكم بالآخرين بطبيعتهن، لا يعتبرن أطفالهن سوى امتداد لشخصيتهن ويفرضن على أطفالهن التصرف وفق القواعد التي يضعنها.

باختصار، على الأطفال أن يدوروا حول “شمس” أمهن كالكواكب، وأن يتعلموا منذ صغرهم على رؤية أنفسهم كما تراهم أمهاتهم.

AdobeStock License

أما عن بنات الأمهات النرجسيات فغالباً ما ينفصلن عن أفكارهن ومشاعرهن الخاصة، وحين يبلغن سن الرشد ينجذبن إلى عشاق وأصدقاء يتعاملون معهن بنفس طريقة أمهاتهن.

كذلك تستمر تلك الفتيات باعتبار الحب أمراً يجب ان نسعى إلى الحصول عليه كي نكسبه.

بنات الامهات المسيطرات حالهن ليس أفضل بكثير. فهن لا يستطعنَ رؤية أنفسهن بشكل واضح، يعانين من صعوبة في تقبل مشاعرهن وأفكارهن لأنهن يفتقرن إلى الإحساس الحقيقي بالذات.

يعتبرن أي نجاح يحققنه هو نتيجة الصدف، وأي فشل يتعرضن له هو نتيجة لضعف شخصيتهن.

بالتالي، تفتقر تلك الفتيات إلى الثقة بالنفس وينجذبن إلى النماذج المسيطرة؛ هو النموذج المألوف بالنسبة إليهن والذي يوفر لهن الشعور بالأمان.

أما الأم المحبة فتعلم ابنتها أنها شخصية مستقلة عنها، وفي نفس الوقت باستطاعتها توقع أن تتفهمها والدتها وتدعمها في أي وقت.

تعيين حدود واضحة يتيح للطفل القدرة على العيش كفرد كامل مستقل.

ليس على الإبنة أن “تندمج” بشخصية أمها النرجسية أو المسيطرة؛ هي تملك كامل الحرية في اكتشاف نفسها.

الطفل المسؤول الأبوي – نموذج آخر من نماذج الإهمال أو التجاهل

في هذه الحالة، لا يتم تجاوز الحدود العاطفية والنفسية فحسب، بل أيضاً الحواجز التقليدية، بحيث يتم تحميل الطفل مسؤوليات أكبر من سنه وبالتالي يصح “أحد والدي” أمه.

والأسوأ من ذلك، أن هؤلاء الأمهات قادرات حقاً على محبة بناتهن، لكن ليس باستطاعتهن بكل بساطة التصرف كأمهات راشدات.

لذلك، بإمكانهن تسبيب الأذى لبناتهن بطرق متعددة. قد تشعر الفتيات بالغضب والاستياء لأنه تم “سلب” طفولتهن منهن، لكن غالباً ما تنقسم مشاعرهن بين الغضب من والدتهن والتعاطف معها.

كما أن تبادل الأدوار هذا قد يحدث بطريقة ماهرة جداً، بحيث تحتاج الفتيات إلى سنوات لفهم أن تصرف والدتهن لم يكن طبيعياً ولا سليماً.

غالباً ما يتم تسليم الأطفال العديد من الأدوار في العائلات الكبيرة، بحيث لا تكون الأم قادرة على الاهتمام بعدد كبير من الأطفال، وبالتالي يقع جزء من الأمومة على عاتق الإبنة الكبرى.

غالباً ما تتجنب الفتيات اللواتي يتحملن مسؤولية مبكراً العلاقات الحميمة حين يبلغن سن الرشد، لأنه يكون من الصعب عليهن فصل المطالب المعقولة عن تلك التي تكون مفرطة وآسرة.

Freepik License
الاستغلال: شكل من أشكال الإهمال

من الأمثلة الكلاسيكية للأم الاستغلالية الأم التي تستغل مواهب ومظهر ابنتها والفرص المتاحة لها مادياً.

مع ذلك، ليس عليكِ أن تكوني ابنة خارقة مميزة كي يكون لديكَ أم استغلالية. بنات هؤلاء الأمهات يقمعن رغباتهن واحتياجاتهن لأجل أمهاتهن سواء عن وعي أو دون وعي.

يتناوب مشاعر الإحساس بالذنب والغضب والتعاطف في أعماقهن.

أحياناً، يتمكنّ من إنقاذ هذه العلاقة عبر المحاربة للحصول على استقلاليتهن ووضع حدود واضحة وصارمة، لكنهن لا ينجحن في ذلك في كل الحالات، لأنهن يؤذين والدتهن حتماً.

متى يصبح التقارب في العلاقة بين الأم وابنتها مفرطاً أو زائداً عن حده؟

تحتاج الأمهات وبناتهن كل إلى مساحتها الخاصة، والتمكن من تطوير الأفكار والمشاعر الخاصة بها، وكي يتمكنّ من ذلك، يجب أن يكون هناك حدود على كل من الطرفين احترامها.

يبدو ذلك سهلاً وبسيطاً، إلا أن ذلك يعتمد على مدى تعقيد هذه العلاقة، لذلك لا يكون هذا الأمر دائماً ممكناً

اترك رد