حين نتهم طفلة تبلغ 4 سنوات من العمر ب”السرقة”
حين نتهم طفلة تبلغ 4 سنوات من العمر ب”السرقة”
وقع مال من حقيبة والدتي على الأرض. فقامت ابنتي ذات الأربع سنوات بالتقاط الورقة النقدية، ثم تقدمت مني وقالت “أمي اشتري لي شوكولاته وعصير”.
عرفتُ حينها أن عليّ التدخل كي أفسر لصغيرتي خطأها. قبل أن أقوم بأي تصرف تذكرت موقفاً مماثلاً مررتُ به في طفولتي. لا أذكر كم كان عمري حينها، لكنني أذكر أن خالي اعتاد أن يعطيني مبلغاً من المال كلما قمنا بزيارته كي أشتري الحلوى. وفي إحدى زياراتنا إلى منزل جدتي كان الجميع منشغلين، وجدتُ حينها مالاً على الطاولة فظننتُ أنه المال الذي سيعطيني إياه خالي، أمسكتُ الورقة النقدية وبنفس براءة ابنتي اليوم اتجهتُ إلى أمي كي أطلب منها أن تشتري لي الحلوى. لكن ما حصل حينها كان صادماً.
قالت إحدى قريباتنا الموجودة آنذاك متوجهة بالحديث إلى أمي “انتبهي، لقد رأيتُها تأخذ المال عن الطاولة دون إذن، إنها سرقة. إن لم تؤدبيها ستعتاد على هذا الأمر”.
لا أذكر تفاصيل ما قيل حينها، كلما أذكره أن الجميع بدأوا بإلقاء الخطابات التربوية عليّ وعلى أمي كأنني ارتكبتُ جرماً. ولم يكترث أحد أن يسألني حتى لِما أخذت المال. كما أذكر أن أمي ارتبكت والتزمت الصمت فقد كان يبدو واضحاً أنها شعرت بالإحراج، هذا الإتهام يُعَد تشكيكاً في تربيتها.
كان يكفي حينها أن يسألوني حتى أجيب “ظننته المال الذي سيعطيني إياه خالي”. حسناً أخطأتُ حينها لأنني لم أسأل، لكن حتماً لم أقم بذلك بقصد “السرقة”. على أي حال مصطلح “سرقة” لا ينتمي إلى عالم الطفولة. ومن المؤذي جداً نسبه إلى طفل يبلغ من العمر 4 أو 5 سنوات.
أذكر حينها أنني شعرتُ بالخوف وظننتُ أنهم سيحضرون الشرطة لاصطحابي إلى السجن. ثم بدأوا جميعاً يضحكون حين سألت “هل سترسلونني إلى السجن”. حينها غمرتني خالتي وقالت “إن لم تكرري هذا التصرف لن نرسلكِ إلى السجن طبعاً”. أي أن احتمال السجن بقي قائماً إن كررتُ هذا الفعل. لكم الآن أن تتخيلوا شعور طفلٍ يظن أن أهله قد يرسلونه إلى السجن لجرمٍ لم يرتكبه.
بقدر ما بدت عبارتي مضحكة آنذاك، بقدر ما كنتُ خائفة وبحاجة إلى أن يخبرني أحدهم أنه يثق بي ويعرف أنه ليس من الممكن أن أكون قد تصرفت بهذه الطريقة بقصد السرقة، وبشكل خاص أنه لا يتم إرسال الأطفال الصغار إلى السجن.
أوقفتُ أفكاري السلبية لأنني إن سمحتُ لها بالسيطرة على تفكيري لن تنتهي.
ونظرتُ إلى والدتي التي لاحَظت ما حصل وغمزتُها كي لا تتدخل دون أن تنتبه ابنتي. ثم حملتُ صغيرتي وأجلستُها بين أحضاني وتوجهتُ إليها بالحديث بكل هدوء وأنا أبتسم قائلةً “أميرتي الصغيرة، أتعرفين لمن هذا المال؟”.
فأجابت “نعم، لقد سقط من حقيبة جدتي”.
فأكملتُ سائلةً “إذن أنتِ تعرفين أن هذا المال لجدتكِ. هل أخذتِ الإذن منها قبل أن تأخذيه؟”. احمرت وجنتا صغيرتي خجلاً وقالت “لا لم اسألها”.
ثم فسرتُ لها قائلة “تخيلي أن جدتكِ ذهبت لشراء الأغراض ولم تجد هذا المال في حقيبتها، كيف سيكون موقفها آنذاك؟”. فأجابت “حسناً أمي فهمت”.
ونزلت من حضني متجهةً نحو جدتها وسألتها “جدتي هل أستطيع أن آخذ هذا المال كي أشتري الشوكولاته والعصير؟”. فابتسمت والدتي وغمرت أميرتي دون أن تعلق على ما حدث قائلةً “طبعاً حبيبتي”.
نفس الموقف مع ردَتَي فعل مختلفتين. كيف كنتم لتتصرفون لو مررتم بموقف مماثل؟
سماح خليفة