أنا أفهمك، أنا أدرك حجم معاناتك، لا تخافي، لن أؤذيه

0

أنا أفهمك، أنا أدرك حجم معاناتك، لا تخافي، لن أؤذيه

اقترب طفلٌ يبلغ من العمر حوالي العشر سنوات من ابنتي، وألقى علي التحية، رددتُها مع ابتسامة. سرعان ما لاحظتُ نظرات الحيرة والحزن والقلق في عَينَي أمه التي سارعت وقالت “كريم، تعالَ إلى هنا، دع الناس وشأنهم”. أنا أعرف تلك النظرات أعرفها جيداً. سرعان ما فهمتُ أن إبنها يعاني من اضطرابٍ ما. فسارعتُ في المبادرة قائلةً “رجاءً سيدتي دعيه، لست منزعجة إطلاقاً”.كنتُ حينها أمسك بطفلتي التي تبلغ من العمر ست سنوات. سألني “هل هذه ابنتكِ”. أومأتُ برأسي وقلتُ “إسمها يارا، وأنتَ إسمكَ كريم أليس كذلك”. فأحاب “نعم، أنا كريم”. ثم سألني “هل أستطيع أن ألعب معها؟” أجبتُ “طبعاً”.. أمسك القارب الصغير الذي تجلس فيه ابنتي وبدأ يجرها في الماء، بادرته ابنتي التي ما زالت لا تتكلّم جيداً بالابتسام، فابتسم ونظر إلى والدته صارخاً بأسلوبٍ طفوليٍ لطيف بريٍ يشبه نظراته “أمي لقد ابتسمت لي”.. شعرَت الأم بالإحراج فأمسكته لتسحبه من الماء معتذرةً مني.

“أنا أفهمك، أنا أدرك حجم معاناتك، لا تخافي، لن أؤذيه”

نظرتُ إليها في عينيها مباشرةً وقلتُ لها “رجاءً اهدأي، ابنتي أيضاً مصابة بتأخر عقلي”. اكتفيتُ بهذه الكلمات، فلا داعي للمزيد.. أدركت الأم ما وراء هذه الكلمات المحدودة من معانٍ كثيرة، يمكن اختصارها بالآتي “أنا أفهمك، أنا أدرك حجم معاناتك، لا تخافي، لن أؤذيه”.

ردود فعلها كانت تختصر خوفها على مشاعر طفلها من ردة فعلي، لا خوفها علينا منه. فهي تدركُ تماماً أن طفلها الملائكي لا يؤذي أحداً، إنما هو مَن يحتاج إلى الحماية.

طبعاً أفهمها، لن يفهم أحدٌ سلوك أطفالنا. ما زلتُ أذكر حين اقتربت ابنتي من طفلٍ يصغرها سناً وأرادت أن تغمره وهي تقول بيبي فسارعت الأم إلى حمله والابتعاد خوفاً عليه. فسلوك طفلتي ليس منطقياً ولا يشبه عمرها. ما زلتُ أذكر كيف ارتبكتُ حينها لا خجلاً من المرأة، بل خجلاً من طفلتي.. كيف سأشرح لها أن الناس لا تفهم حجم الحب الذي يحتويه قلبها، كيف سأصلح ما كسرته تلك المرأة في نفس إبنتي؟طبعاً أفهمها. في مجتمعنا كل ما هو مختلف يثير الخوف في النفوس. لا لشيء سوى الجهل المتغلغل فيها.

كَمٌ من الحب لا تفهمه العقول المحدودة

بعد أن أخبرتُها أن طفلتي تعاني من نفس مشكلة إبنها لاحظتُ كيف اختفت ملامح الخوف من عينيها. في هذه الأثناء دفع أحد الأطفال في المسبح إبنتي دون أن يقصد، فوقف كريم بين إبنتي وذاك الطفل المشاغب وقال “توقف، كدتَ تؤذيها”. فابتسمت الأم وقالت “إهدأ حبيبي.. هي بخير”.

لا يمكنني أن أصف المشاعر التي راودتني حينها، كدتُ أبكي. نعم، كدتُ أبكي. مدى التناقض بين الصورة التي يرسمها الناس في رؤوسهم ومخيلاتهم حين يرون أطفالنا وبين الواقع كاد يبكيني. تَعَرّف على ابنتي منذ دقيقتين ووقف ليدافع عنها كما ما كان لأخٍ أن يفعل لأخيه. هكذا هم أطفالنا، بهذه الرقة، بهذه البراءة، بهذا الكم الكبير من الحب الذي لا تفهمه العقول المحدودة. لا ألوم أحداً، ليس من الغريب ألا يتمكنوا من فهم أطفالنا.. أطفالنا أجمل وأرق من أن يصدّق الناس حقيقتهم أو يفهمونها.

إذا أعجبتكم هذه القصة من موقع التربية الذكية التي تختصر تجربة حقيقية عن واقع الأطفال الذين يعانون من اضطرابات وصعوبات، لا تترددوا في نشرها.

سماح خليفة

اترك رد