دعوا أطفالكم يعالجون جراح طفولتكم

0

جراح طفولتكم:

“ابنتي العزيزة : أنت تشفين جراحي الداخلية”. راودني شعورٌ غريبٌ حين رأيتُها تحمل مخدتها التي تكبرها حجماً بعد أن رمتها من سريرها وقفزت منه، كي تبحث عني في أرجاء المنزل. سمعتُ صوتها تبكي في الرواق، لم تجدني في غرفة النوم فشعرت بالخوف أو ربما بالضياع. فركضتُ نحوها لأطمئنها بأنني هنا وغمرتها وعادت للغرق في النوم خلال بضع ثوانٍ على كتفي.
عمّ تبحث هذه الصغيرة يا تُرى؟ أتراها تبحث عن الأمان؟ هل أنا مصدر الأمان لها حقاً؟ رغم كل الشتات داخلي.. كم هو أمرٌ مدهش! لو تدرك هذه الصغيرة كم أن أمها شخصٌ يشعر بالضعف والعجز والخوف، هل ستستمر بإيجاد الأمان بين يدَي.. أظن أنها تعلم، بالتأكيد تعلم.. على الأرجح هي من يُشكل مصدر أمانٍ لي.. هي تشعر بمدى احتياجي إليها فتبحث عني.

ما أعظم هذه المهمة.. الأمومة.

لكن هل فعلاً أستحق هذا الكم من الحب؟ أهناك حقاً من يبحث عني بهذه اللهفة؟ اعتدتُ أن أبحث عن الناس، عن حبهم وراحتهم.. كنت دائماً أضحي بحثاً عن مقابل، ولم أكن أدرك أن ذاك المقابل الذي كنتُ أبحث عنه هو الحب. ها هي صغيرتي اليوم تقدمه لي، بمنتهى الصدق، بمنتهى الاهتمام، بمنتهى اللهفة، دون شرط أو قيد، دون أي مقابل.

هي تركض نحوي في كل حالاتي، في غضبي، في حزني، في يأسي، في لحظات الانهيار، لا تخاف من كم الخوف داخلي، تقتحم أعماقي التي أخاف الخوض فيها، براكين الغضب الذي أكتمها منذ سنوات، أعاصير الحزن التي تجرف كل من يقف في طريقها، ورمال الألم المتحركة التي غصتُ فيها دون سبيل إلى النجاة. تدخل بكل ثقة دون أن تبالي، إلى أن تصل إلى أعمق نقظةٍ في روحي وتنثر الحب والسلام فيها.

لكن الخوف يعود لاقتحام أفكاري مجدداً. أنا؟ مصدر أمانٍ لها؟ ماذا لو فقدتني؟ هل تفقد الأمان؟ ماذا لو أظهرتُ لها العكس في لحظة غضب أو انفعال؟ هل ستشعر بالخوف مجدداً؟ إنها مسؤولية، مسؤولية كبيرة جداً. هل سأتمكن من تحمّلها؟ بالكاد أتمكَن من حمل جراح طفولتي وخوفي والمضي قدماً رغم هذا الحمل الثقيل.
ربما آن الأوان للتخلي عن هذا الحمل. إن لم يكن لأجلي، فلأجلها. ربما آن الأوان أن اتخلى عن بعض الذكريات التي لا جدوى منها، لأفسح المجال لذكريات أجمل وأرق كغمرة طفلتي ونظراتها البريئة. أظن أنها تريد أن تخبرني أن هناك ما يستحق أن أكون أكثر قوةً وتوازناً وتماسكاً.

اترك رد