آمنوا بطفلكم حتى لو تخلى عنكم الجميع

0

آمنوا بطفلكم حتى لو تخلى عنكم الجميع..
في معركة طفلكم مع الحياة، أنتم القادة واستسلامكم يعني انهزامه حتماً!

كنتُ في قمة لحظات ضعفي، شعرتُ أن الكون كله يقف ضدي. وكانت تتردد في ذهني جملة واحدة “لماذا أنا؟ لماذا ابنتي؟”. كلّ ما كنتُ أريده هو أن أجد مؤسسة تعليميةً أو أشخاصاً يؤمنون بقدراتها لكن لم أجد. حتى في مدرستها السابقة، كنتُ أخبر الفريق التعليمي بأن ابنتي تعرف كلمات باللغة الإنجليزية وأنها تقرأ بعض الكلمات، كما أن لديها ذاكرة بصرية قوية. وكنتُ أرى ابتسامتهم الساخرة وأعلم أنهم يتهامسون “مسكينة هذه الأم، كم هي موهومة”.

شعرتُ بمدى استخفافهم بقدرات ابنتي، كأن كونها تعاني من التأخر المترافق مع سمات التوحد يجعلها غبية أو غير قادرة على فعل شيء. وددتُ أن أصرخ في الكون بأسره قائلةً “أنا لستٌ موهومة، أنتم الأغبياء! ابنتي قادرة على إنجاز الكثير، أمثالكم مَن يقف في طريقها”.

كلمات أمي

جلستُ على ركبتيّ بعد أن شعرتُ أنني فقدتُ كل طاقتي دفعةً واحدة. وأغمضت عينيّ للحظات. لكنني تذكّرت.. تذكّرتُ يوم عدتُ من العمل وكنتُ مرهقة جداً، يومها تأخر زوجي في عمله، وبقيتُ قليلاً مع أطفالي عند والدتي. كانت أمي تردد كلماتها المعتادة “أنتِ إنسانة فوضوية، لا يوجد نظام في حياتكم، كيف ستتمكنين من تأسيس أسرة ناجحة…”. يومها أخذتُ ابنتي وجلسنا في الغرفة الوحيدة الهادئة في المنزل، الغرفة التي كان يغفو فيها والدي.

جلسنا على الأرض، وجلستُ أنا على ركبتي وأخذتُ نفساً عميقاً وأغمضتُ عيني. نفس الوضعية، ونفس المشاعر. كنتُ أشعر أنني مهزومة من الداخل، لكنني عزمتُ على محاولة تنفيذ النشاط اليومي مع ابنتي التي لم تتكلم بعد. وبدأتُ أخبئ اللعبة وأقول لها “طابة، أين الطابة”، ثم أضع إصبعي على شفتيها وأقول لها قولي “طابة”. حاولتُ أكثر من عشر طرق وأكثر من عشر مرات، وقاطعتنا ابنتي الصغرى كثيراً، لكنني لم أتوقف إلى أن نطقت الكلمة. وبدأتُ أصفق وأصرخ “ابنتي الذكية، أنتِ رائعة” وحملتُها وقبلتُها كثيراً. نسيتُ حينها أن أبي نائم في الغرفة، ونسيتُ كل ما يدور حولي، كما نسيتُ كلمات أمي المحبطة.

مَن يشبه طفلكم
premium freepik license
أنتِ قوية، قوية جداً، أقوى مما تعتقدين

في تلك اللحظات، استدار نحوي والدي وقال “لم أكن نائماً، كنتُ مستيقظاً. سمعتُ كل شيء. ابنتي أنتِ بطلة. رأيتُ إصراركِ رغم أنني أعرف كم أنتِ متعبة. سمعتُ صوتكِ وصوتها كيف تكرر الكلمة من بعدكِ. أنتِ قوية، قوية جداً، أقوى مما تعتقدين. أنا فخورٌ بكِ”.
دمعت عيناي لأنني وللمرة الأولى شعرتُ أن أحدهم يفهمني ويدرك ما أمرّ به. يدرك أنني رغم تماسكي ظاهرياً، منهكة من الداخل وتائهة وخائفة جداً على ابنتي. حاولتُ ألا أسمح له أن يلاحظ أنني أبكي. وهو حتماً لم يخبرني أنه لاحظ.
فتحتُ عيناي. وشعرتُ حينها أنني استعدتُ قوّتي وعزيمتي. كأن شخصاً آخر ولِدَ داخلي من جديد. والفضل كله يعود إلى أبي المتوفي. أبي كان الوحيد الذي يؤمن بي. الوحيد الذي يدعمني ويشجعني ويثق بقدراتي. أبي كان يعرف أن ابنته أذكى وأقوى مما يبدو عليها.

ثم فهمت الرسالة. مهما كانت الطريق صعبة، مهما قالوا إنني موهومة، مهما اعترضت طريقي تحديات وعقبات، لا يجب أن أتوقف عن الوثوق بابنتي، ومهما حصل يجب أن أدعمها بكل الطرق المتاحة. أنا لستُ مجرّد جندي في معركتها مع الحياة، أنا القائد، واستسلامي يعني انهزامها حتماً. فليقولوا إنني أحلم. لا بأس، لا يهم. جميعنا نعلم أن أعظم الإنجازات تبدأ بحلم صغير آمن به صاحبه بجنون.

سماح خليفة

اترك رد