كفوا عن التجريح وجلد قلوب الأمهات.. ليت كل الكون قلب أم !

0

كفوا عن التجريج وجلد قلوب الأمهات.. ليت الكون كله قلب أم !
لفتني منشور على صفحات التواصل الاجتماعي عن طفلٍ ضائع يبلغ من العمر حوالي 3 سنوات. دخلتُ لرؤية التعليقات ومعرفة المزيد من التفاصيل علّ أهل هذا المسكين تمكنوا من إيجاده. لكن فاجأتني كمية التعليقات التي توجه الإتهام للأم “أين كانت الأم؟” “بالتأكيد أمه إنسانة مهملة”… إلى أن قرأتُ أحدهم قد كتب “أنا أعرف الطفل وقد كان خارجاً مع والده حين ضاع”. كفوا عن جلد الأمهات وتوجيه الإتهامات الجارحة، ليت الكون كله قلب أم.

قصة صديقتي

حينها تذكرت صديقتي التي تضطر يومياً إلى تولي كل المسؤوليات دون الحصول على مساعدة من أحد. تصطحب طفلها المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وإبنها الصغير معها إلى الجلسات ومواعيد طبيب الأسنان وحتى إذا اضطرت إلى زيارة الطبيبة النسائية. تصطحبهما معها أثناء التسوق لإحضار احتياجات المنزل وأينما ذهبت. وإذا طلبت من زوجها أن يساعدها بإحضار احتياجات المنزل على الأقل يخبرها أنها مسؤولياتها وأنه يكفيه ما يعانيه في ساعات العمل.

ذات يوم كانت تحضر الخضار من المحل المجاور لمنزلها، وتمسك بيد ابنها الصغير. وإذا بابنها الأكبر خلال ثوانٍ يختفي عن الأنظار. وبدأت بالصراخ ممسكة بيد ابنها الصغير. ابني، لقد ضاع ابني! كانت غير قادرة على ترك ابنها الصغير وفي الوقت نفسه مضطرة إلى الركض للبحث عن طفلها الكبير. حملت صغيرها وبدأت بالركض كالمجنونة، تبكي وتسأل كل من تقابله عن ابنها. إلى أن اتصل بها الميكانيكي في الحي المجاور الذي يعرفها ويعرف ابنها ليخبرها أنه وجد طفلها وهو بخير. ركضت الأم بسرعة جنونية وأحضرت ابنها وعادت إلى المنزل وهي تكاد تقع من شدة التعب والخوف الذي أصابها.

حين عاد زوجها إلى المنزل كان قد عرف من الجيران ما حصل، وطبعاً كلام الناس المحيطين لم يكن لصالح هذه المرأة المسكينة بل شجعوه على توبيخها واتهموها بالإهمال وعدم المسؤولية. لِمَ لا؟ هم لا يعرفون شيئاً عن حياتها! لا يدركون مدى صعوبة المسؤوليات التي تحملها على عاتقها بمفردها دون عونٍ أو أي نوع من أنواع الدعم… دخل وهو يصرخ “أنتِ أم مهملة، أنتِ أم مستهترة، كيف غاب ابني عن عينيكِ؟ لا أستطيع تحمل المزيد… أنتِ امرأة فاشلة عاجزة عن الاهتمام بأطفالك!” حاولت أن تفسر له لكنه كان يأبى أن يسمع. ودار شجار حاد بينهما انتهى به بصفعها أمام أطفالها. والحجة… “كان خائفاً على ابنه”.

AdobeStock

كفوا عن التجريج وجلد قلوب الأمهات.. ليت كل الكون قلب أم !

يحمّلون المرأة مسؤوليات فوق طاقة أي إنسان، وعند أول إخفاق يشيرون إلى أخطائها ويتهامسون. لقد كنتُ من أولئك الذين ينتقدون دون أن يفقهوا ما يفعلون قبل أن أصبح أماً.
أصبحتُ أماً وعرفت أنه من المستحيل أن يمضي ولو يوم واحد بسلام. عرفتُ أن ابنتي الوسطى قد تمسك بشريط كهربائي أثناء تغييري لحفاضات أختها أو أثناء إعدادي الطعام أو تنظيف ما رمته أختها الكبرى. وعرفتُ أن الجريمة الحقيقية ليست جريمة إهمال أم، هي جريمة اعتبار المجتمع أن كل المسؤوليات تقع على الأم وكل خطأ يحدث ليس المذنب فيه سوى الأم.
عرفتُ أن الأم تفقد أحياناً كل طاقتها وتنهض رغم التعب. عرفتُ أن ضحكة طفل تكفي لجعلها تقضي على مخاوفها وآلامها، وكلمة جارحة تكفي لتهدم كل ما تحاول أن تبنيه. لا توقظوا شعورها بالذنب لمجرد الرغبة في إبداء رأيكم من برجكم العاجي، خوضوا بعض معاركها أولاً ثم تجرأوا بعد ذلك على توجيه أصابع الإتهام نحوها… لو تدركون فعلاً ما يدور في قلب الأم ووجدانها لتمنيتم لو كان الكون بأسره قلب أم.

سماح خليفة

اترك رد