بدأت أميرتي تركض في أرجاء المنزل رافضة الخلود إلى النوم، كررتُ طلبي مراراً وتكراراً دون جدوى. كأنني أتحدث مع نفسي. فأخبرتُها أنني حزينة بسبب تصرفها غير اللائق وأنني لن أقرأ لها قصة قبل النوم، فتوقفت عن الجري واقتربت مني ووقفت أمامي قائلةً “أتقصدين أنكِ لن تحبينني بعد اليوم؟”.
فأجبتُها بنبرة صارمة خوفاً من أن أضعف أمام أسئلتها البريئة وأتنازل عن قراري “لا علاقة لذلك بالحب“. لكنني لأول مرة لم أفسر كلماتي بطريقة واضحة، وكان لذلك عواقب وخيمة فينا بعد.
لماذا يجب أن نستخدم جملاً واضحة تتناسب مع عمر طفلنا؟
في اليوم التالي اقتربت مني أميرتي وهي تحمل الهاتف المحمول وتسمعني أغنيتنا المشتركة المفضلة. تتضمن هذه الأغنية كلمة “أحبك”. فقلتُ لها “أنا أحبك أيضاً”. فنظرت إلي وأشارت بيدها تطلب مني التوقف (تماماً كما فعلت!) وقالت “لا علاقة لذلك بالحب! أنتِ قلتِ البارحة ألا علاقة لذلك بالحب”.
للوهلة الأولى لم أفهم ما يحدث. أمسكتها من يدها كي أحملها وأجلسها في حضني لنتحدث كالعادة. فبدأت تدفعني محاولة الهروب. تماماً كالكبار، تماماً كما نتصرف حين يُكسر قلبنا من حبيب أو صديق ونحاول الإبتعاد عنه لأننا لا نريد أن نسمع المزيد. فهمتُ فوراً أن هناك مشكلة كبيرة. صغيرتي ظنت أنني لم أعد أحبها. ولا أدري كم استمرت ذاك اليوم في التفكير بينها وبين نفسها بهذا الأمر وكيف تعاملت مع أفكار كهذه.
حاولتُ أن أغمرها كي تطمئن علها تهدأ. لكنها حاولت منعي وشعرتُ أنها على شفير البكاء. فسارعتُ إلى القول باختصار وبسرعة “لا علاقة لذلك بالحب، يعني أنني سأحبك مهما حصل.” توقفت عن الدفع ونظرت إلي باستغراب “تقصدين أنكِ ما زلتِ تحبينني؟”. أجبتُ على الفور “طبعاً، كل ما كنتُ أقصده هو أنني حتى لو غضبتُ منكِ، وحتى لو أخطأتِ، وحتى لو تشاجرنا لن أتوقف عن حبكِ. لا علاقة لكل ذلك بالحب”. فغمرتني وقبلتني على الفور وقالت “أنا أحبكِ أيضاً ماما”.
لن أحدثكم عن حجم شعوري بالذنب آنذاك. لقد نامت واستيقظت وذهبت إلى المدرسة وعادت وهي تظن بأنني لا أحبها. وأنا أدرك تماماً أن حبي لها يهمها أكثر من كل شيء في الوجود.
أحياناً نحن الكبار نقع في فخ سوء الفهم ونخسر علاقات عميقة بسبب عدم التحدث بوضوح عن مشاعرنا وأفكارنا للشخص الآخر. فكيف بطفلة تبلغ من العمر أربع سنوات؟ لهذا السبب لا بد من أن نكون أكثر وضوحاً مع أطفالنا. مهما كنا غاضبين، ومهما كان الموقف صعباً، يجب أن نستخدم عبارات واضحة وبسيطة مع أطفالنا وأن نفسر ما نقصد. فقد يحلل الطفل كلماتنا بطريقة مختلفة كلياً.
سماح خليفة