بعض الأكاذيب الطفولية تكشف مشاعر يصارعها أطفالنا بصمت
بعض الأكاذيب الطفولية تكشف مشاعر يصارعها أطفالنا بصمت
وقفت أمام باب المنزل تبكي وتصرخ كالعادة “لا أريد أن أذهب إلى المدرسة، أريد أن أبقى معكِ أمي”. نظرتُ إليها بحسرة، إنه حالها يومياً. على الرغم من أنها لم تشتكي من المدرسة في السنة الماضية نهائياً. كنتُ أتساءل يومياً “لا بد من أن هناك مشكلة، هل هي غيرتها من أختها الصغرى؟ أم أن هناك أمرٌ خفٌي يخيف صغيرتي إلى هذا الحد”. إلى أن اكتشفتُ السبب..
أو ظننتُ أني اكتشفته! ذات يوم كانت تشتكي من ألم أثناء دخولها إلى الحمام. ظننتُ أن السبب يعود إلى تناولها الكثير من الحلوى. لكن لا أدري ما الذي ألهمني وجعلني أسألها “صغيرتي، مَن الذي يدخلكِ إلى الحمام في المدرسة؟”. فأجابت بتردد “مس هدى”. تساءلتُ في نفسي “إنه ليس إسم المعلمة، لا بد من أنها عاملة التنظيف أو المساعدة”. فسألتُ مجدداً “هل هي لطيفة؟ هل تحبينها؟”. فأجابت “كلا، هي تسبب لي الألم حين تساعدني في الحمام”.
سمعتُ هذه العبارة وشعرتُ أن صاعقة تضربني وتهز كياني..
ماذا تقصد ابنتي؟ تسبب لها الألم؟ تذكرتُ مباشرةً صديقتي التي أخبرتني منذ يومين عن ابنها الذي تعرض للتحرش في المدرسة. جُنّ جنوني، كدتُ أفقد صوابي. تمالكتُ نفسي وسألتُها بهدوء كي لا أسبب لها التوتر “لمَ لم تخبريني من قبل؟ ألسنا أصدقاء؟”. أجابت “هي تخيفني، أنا لا أحبها، أنا أخاف منها”. أخطأتُ حينها وسألتُها “هي من طلبت منكِ ألا تخبريني؟”. فأومأت برأسها.
توجّهتُ مباشرةً إلى المدرسة، تواصلتُ مع الناظرة التي أكدت لي أنه من المستحيل أن يحصل هذا، وأن هذه المساعدة قديمة في المدرسة ولم تصدر أي شكوى ضدها من قبل. فطلبتُ التحقق من الأمر وأنا على ثقة من أنهم لن يخبروني حتى لو اكتشفوا أن ابنتي تقول الحقيقة. وطلبتُ ألا تدخل هذه المساعدة مع ابنتي إلى الحمام مطلقاً.
ثم اصطحبتُ ابنتي إلى طبيبة الأطفال التي تتابعها وطلبتُ منها أن تفحصها. فأجابت أن الاحمرار المتواجد في الأماكن الحساسة قد يكون ناتجاً عن بعض الحساسية. وأنها لا تستطيع أن تجزم أن هناك أي مشكلة تتعلق بالتحرش.
عدنا إلى المنزل والأفكار تكاد تسحقني من شدة قسوتها. خفتُ أن أتمادى في الأسئلة وأسبب لطفلتي مشكلة لا أساس لصحتها. فقررتُ اللجوء إلى أخصائي.
أمي أنا كنتُ أمزح، أنا أريد أن أبقى معكِ!!!
في هذه الأثناء وأنا أغمر طفلتي ذات الأربع سنوات بين أحضاني. نظرت إلي وقالت “أمي أنا كنتُ أمزح، مس هدى لم تضربني ولم تسبب لي الأذى، أنا أقول هذا لأنني أريدكِ معي.”
كم شعرتُ بالسعادة حينها عندما اكتشفتُ أنها كذبة. بقدر ما أكره الكذب بقدر ما شعرتُ أنه لا مشكلة إن اكتشفتُ أنها تكذب هذه المرة. ربما أن غيرتها من أختها الصغرى دفعتها إلى تأليف تلك القصة كي تبقى معي في المنزل.
في بعض الأحيان يرتكب أطفالنا سلوكيات سيئة أو وسائل غير مقبولة فقط ليعبروا عن مشاعر تسبب لهم الألم. لم تكن تلك المعلمة هي التي تسبب لها الألم. بعدها عني في فترة الدوام المدرسي وانشغالي عنها في عملي باقي اليوم هو ما كان فعلياً يسبب لها الألم.