لا تلوموا أطفالكم على شخصيات أنتم كوّنتموها (نموذج الطفل الاتكالي)
لا تلوموا أطفالكم على شخصيات كنتم السبب في تكوينها (نموذج الطفل الاتكالي).
تبدأ القصة بطفلٍ يرى العالم للمرة الأولى، يسعى إلى الاستكشاف، استكشاف محيطه، استكشاف حواسه وكيفية استخدامها، استكشاف مهاراته. فتأتي تلك المرأة التي تلعب دور الأم لتمنعه، لا بل توبخه عند كل محاولة أو تحربة جديدة “دع دلو الماء، لا تلمس الطعام بيديك، كف عن الحراك، لا تقفز هكذا…”.
يكبر هذا الطفل وتنمو داخله تلقائياً حس المبادرة، ثم تأتي المرأة نفسها لتمنعه حتى من مساعدتها “دع المكنسة، لن تتمكن من فعل هذا إذهب للعب، الاطفال لا يدخلون إلى المطبخ، كلا لن تساعديني في غسل الأطباق ما زلتِ صغيرة إذهبي وأنجزي واجباتك المدرسية”…
شيئاً فشيئاً مع كل رفض وكل محاولة تنتهي بخيبة، يتراجع حس المبادرة لدى هذا الطفل. ويحل محله ذاك الشخص الذي يرفع قدميه كي تنهي أمه تنظيف الأرض، ويترك الأطباق على الطاولة فهناك من يعيدها إلى حوض الأطباق وينظفها عنه، ويترك سريره مبعثراً، ويرمي ملابسه أرضاً.
مرحلة المراهقة
يكبر هذا الطفل أكثر ويصبح مراهقاً. يجد نفس المرأة تقف على باب الغرفة فجأة وتصرخ “أنتَ طفلٌ /طفلة مهملٌ كسولٌ فوضوي. أنا أقوم بكل شيءٍ بمفردي لا أستطيع تحمّل المزيد من الفوضى، لقد تعبتُ، أنتَ فاشلٌ لا تستطيع حتى إنجاز أبسط الأمور، لا تتقن شيئاً، كيف ستصبح مسؤولاً عن أسرة حين تكبر…”.
يترك الشاب المراهق جهازه اللوحي أو حاسوبه أو لعبة الفيديو وينهض محاولاً توضيب غرفته، يرتب سريره قليلاً ويوضب بعض الأغراض. بالنسبة إليه لقد قام بمحاولة ولو بسيطة. إلا أن تلك المراة تعود وتصرخ “هل هكذا يرتبون السرير، وماذا عن الأرض المتسخة، والطعام المتساقط في الأرجاء.. أنتَ فعلاً لا تصلح لشيء”.
لن أتحدث هنا عن المشاعر السلبية التي تتراكم داخل هذا الشاب/الفتاة وتعيقه عن التقدم طيلة حياته. سأكمل الحديث حول الموضوع الأساسي للمقال.. تكوين شخصية الطفل الإتكالي.
تكرر تلك المرأة نفس العبارات في اليوم التالي، لكن الشاب لا ينهض لمحاولة التوضيب هذه المرة، بل يضع سماعاته كي يتوقف عن سماع صراخ أمه، ويستمع إلى الأغنية التي يحبها ويسترخي، كلما علا صوت الموسيقى أكثر كلما انخفص صوت وقع الكلمات المدمر على ذاته. على أي حال “هو لا يصلح لشيء، ولن يتمكن من إنجاز شيء بالشكل الصحيح”.. هكذا قالت أمه.
ثم تسمعون نفس المرأة تشتكي للجيران والأقارب وعابري السبيل من أطفالها الكسالى الإتكاليين عديمي الجدوى. وقد نسيت أن هذا الشاب الاتكالي الكسول، كان ذات يوم طفلاً مبادراً مليئاً بالحياة والفضول، وقد قتلت تدريجياً كل ذرة حماس ونخوة فيه.
قبل أن تلوموا أطفالكم فكروا ملياً فيما ستقولونه.. مَن كوّن شخصية ذاك الطفل الضعيف الجبان الخجول، أو تلك الفتاة الوقحة العنيدة، وذاك الفتى الإتكالي المتكاسل؟ مَن سمح لتلك الصفات السلبية أن تُزرع في شخصية الطفل وقام بتغذيتها عبر كلماته وتصرفاته وسلوكه؟ أنتم المسؤولون، لا تختبئوا خلف دور الضحية، أنتم لستم الضحية هنا، أنتم فعلياً المذنبون.
إذا أعجبكم مقال “لا تلوموا أطفالكم على شخصيات كنتم السبب في تكوينها (نموذج الطفل الاتكالي)” لا تترددوا في مشاركته وكتابة رأيكم في خانة التعليقات.
سماح خليفة
التعليقات مغلقة.