لا تصغي إلى أحد، اصغِي إلى حدس الأم فيكِ.. حدس الأم لا يخيب.

0

حدس الأم:
اتصلت أخصائية العلاج السلوكي في المركز الذي تتعالج فيه ابنتها من فرط الحركة وسمات التوحد في الأردن بمريم، قائلةً “إبنتكِ بدأت تضرب وتستخدم سلوكاً عدوانياً، يجب أن تتوقفي عن تدليلها في المنزل. أنتِ تفسدينها وتفسدين خطة عملنا. نحن نتعامل معها في المركز بأسلوب صارم. يجب أن تتبعي الأسلوب نفسه”.

أغلقت مريم سماعة الهاتف وجلست تتأمل ابنتها وهي تحرك السيارة في حركة دائرية بشكل متكرر، وانهارت باكية. كانت تفكر في قرارة نفسها “أقسو عليها؟ كيف لي أن أقسو عليها؟ ألا تكفي قسوة القدر؟ ألا تكفي قسوة المجتمع؟ هذا جنون! إنها ملاك صغير. لكن لماذا تضرب ابنتي بهذه الطريقة؟ لماذا تتصرف بعدوانية؟ لم تكن هكذا، لقد كانت مسالمة جداً. ما الذي يحدث لها؟”.

ثم مسحت دموعها وقررت أن تحاول، لا بد من العثور على سبيل نجاة لطفلتها، يجب أن تتبع كلام الأخصائية حتى لو كان ذلك رغماً عنها. لن تقبل أن تكون السبب في تراجع ابنتها ودمارها.

بدأت مريم تتبع اسلوباً مختلفاً مع ابنتها ريم، لا دلال، لا تنازل عن قراراتها، يجب أن تنفذ كل الأوامر حتى لو كان ذلك رغماً عن ريم، فقد اخبرتها الأخصائية بأنها الطريقة الأفضل لتهدئة ريم وجعلها تتوقف عن سلوكها العدواني.

بدأ سلوك ريم يزداد سوءً، والأسوأ، أنها فقدت التواصل مع ابنتها نهائياً. وعادت إلى نقطة الصفر. شعرت مريم بأنها فقدت كل شيء، بأنها فقدت ابنتها إلى الأبد.

إلى أن قررت الإتصال بي، فقد سبق أن تعرفنا على بعض مسبقاً عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي. أنا أعيش في لبنان وهي تعيش في الأردن. تفصل بيننا مسافات، ولكن يجمعنا هدف واحد، العثور على سبيل لمساعدة أطفالنا على اجتياز الصعوبات والتطور.

أخبرتني بما يحصل مع ابنتها وكيف تصرفت واستجابت لكلام الأخصائية. شعرتُ بالكثير من الأسى، فأنا أعرف كم أن ابنتها طفلة مسالمة، وكنتُ أتابع معها مراحل تطور ابنتها وأشعر بسعادة غامرة حين أعرف أن علاقهما تزداد قوةُ ومتانة.

حاولتُ أن أتمالك نفسي وأن أتحدث بطريقة هادئة.

سألتُها بتروي، إن قلتُ لكِ: “مريم، الآن يجب أن تتعلمي هذه الكمات باللغة الصينية؟ ولن تتحركي من مكانكِ حتى تتعلمي نطقها وكتابتها.. وإلا سأتوقف عن التواصل معكِ وسأحرمكِ من الهاتف لمدة أسبوع.” كيف ستتصرفين؟”

أجابت “سأرفض طبعاً”.

حسنا والآن إن قلتُ لكِ “عزيزتي مريم، ما رأيكِ أن نحاول تعلم كلمات جديدة باللغة الصينية معاً؟ أعلم أن الأمر متعب ومرهق بالنسبة إليكِ؟ سأكون بجانبكِ وأساعدك على تعلم الطريقة خطوة بخطوة. وإن تمكنتِ من تعلم هذه الكلمات سأحضر لكِ وجبتكِ المفضلة اللذيدة. كيف ستتصرفين؟”

أجابت، سأحاول ما بوسعي لتعلمها طبعاً.

ثم أكملت. حسناً والآن لنعد إلى الطريقة الأولى. استعملتُ معكِ صيغة الأمر لتنفذي مهمة صعبة عليكِ، شعرتِ بالتوتر والغضب. ولم تنفذي أوامري. فعاقبتكِ ورفضتُ التحدث معكِ طيلة اليوم. وأخذتُ منكِ وسيلة تسليتكِ المفضلة.. الهاتف. كيف ستتصرفين؟

أجابت “سأغضب وأنفعل وأحزن وسأشرح لكِ أن الأمر صعب علي. وإن استمريتِ على هذا النحو ربما أتوقف عن التحدث معكِ”.

أجبتُها “عرفتِ الآن الإجابة عن أسئلتكِ؟ لهذا السبب توقفت ريم عن التواصل معكِ.إضافةً إلى أنها تغضب وتصرخ وترمي الأغراض أرضاً وتدفعكِ، لأنها لا تستطيع التكلم كي تعبر لكِ عن أفكارها ومشاعرها. ولا تستطيع إخباركِ كم أن هذه المهام صعبة عليها، وتعتبر قراراتكِ ظالمة فتعبر عن رفضها بأسلوبها الخاص.

والآن سؤال آخر، إذا كانت علاقتكِ بزوجكِ مميزة جداً، وكان يمدحكِ على جمالكِ وذكاؤكِ كل يوم. ويحاول أن يقضي وقتاً ممتعاً مليئاً بالود والتفاهم معكِ. ثم استيقظتِ ذات يوم، ووجدتِه يتصرف معكِ بطريقة قاسية، كأنكِ عاملة لديه أو كأن كل ما يربطكما هو بعض الخطط التي يجب تنفيذها، ويلي عدم التزامكِ بأوامره أساليب عقاب مختلفة. ما الذي سيحصل لكِ؟” ثم أكملتُ قبل أن تجيب.

“لا تجيبي، دعيني أخبركِ. ستشعرين بأنه شخص غريب، وتتساءلين أين ذهب ذاك الرجل الحنون الذي لا يمهمه شيء في الدنيا سوى إسعادي. إبنتكِ عزيزتي مريم تفتقدكِ، تبحث عنكِ ولا تجدكِ، لقد شعرت بأنها خسرتكِ، خسرت ملجأها الآمن الوحيد. متى كانت آخر مرة غنيتِ لها أغنيتها المفضلة؟ وآخر مرة ضحكتما معاً بشغف وحب؟ وتلومينها على تغيرها معكِ وعلى سلوكها العدواني اتجاهكِ؟ أنتِ من تغير أولاً. عودي كما كنتِ كي تستعيديها قبل فوات الأوان.

ونصيحة حاولي ألا تنسيها أبداً.. لا تسمحي لأحد بأن يتدخل بعلاقتك بابنتك. لا أحد يعرف ابنتكِ مثلكِ أنتِ. ولا أحد يفهم مشاعر ابنتكِ مثلكِ أنتِ. لا أحد!

سماح خليفة

اترك رد