طفلتي الملاك؛ لو عاد بي الزمن.. لما اخترتُ سوى وجودها

0

طفلتي الملاك؛ لو عاد بي الزمن.. لما اخترتُ سوى وجودها.. يُزرع الحنان في قلب الأم على قدر حاجة ملاكها الصغير
سألني أحد الأصدقاء ذات يوم “لو كان الخيار يعود إليكِ، وعاد بكِ الزمن إلى الوراء، هل ستختارين وجودها في حياتكِ؟”. كان يقصد ابنتي، ابنتي الملاك المصابة باضطراب طيف التوحد. ابتسمتُ بهدوء وأجبت بمنتهى الثقة “ما كنتُ لأختار غير وجودها”. تفاجأ وقال مبتسماً “من أين تأتين بهذه القدرة على التحمّل والصبر وهذا القدر من الحب والتفاني؟ أيُعقل؟ ألا ترين كيف تمضي حياتكِ سريعاً بين الأطباء وجلسات العلاج؟”

فأخبرتُه السر..

لقد شاء سبحانه أن يكون الحنان في قلب الأم على قدر الحاجة. لذا نجد أن قلبها يميل تلقائياً وعن غير عمد للطفل الأكثر ضعفاً فتُظهر صبراً مضاعفاً اتجاه الطفل الذي يعاني من مشكلة أو مرض ما.
منذ ولدت صغيرتي ووضِعت في الحاضنة، شعرتُ أن رحلتي معها لن تكون عادية. كان هناك صوتٌ داخلي يناديني رغم الألم ويكرر “أنتِ قوية، ستتمكنين من تجاوز ذلك”. يرافقه صوت قلبي وهو يجيب “إنها تحتاج إليّ، ليس لدي خيار آخر، سأكون قوية بالتأكيد.”
تأخرت ابنتي في المشي والتواصل وبدأت بوادر التحديات تتضح. مررتُ بظروف لا يحتملها قلب أم حيث تم رفض إبنتي من قِبَل مدارس ومراكز تعليمية ونوادٍ رياضية وتم الاستخفاف بأفكاري والاستهزاء بإيماني بقدراتها.. فقط لأنها “مختلفة”.
كلما كانت الضربة أقوى كلما ازداد إصراري أكثر على أن أُعلن للكون أنّ الإختلاف ليس عيباً، وأنّ لدى أطفالنا نقاط قوة تماماً كما لديهم نقاط ضعف وأننا جميعاً مختلفون لكننا نخفي اختلافنا كي نشبه الصور النمطية التي فرضها علينا المجتمع. أردت أن أخبر الجميع أنّ قوّتنا في اختلافنا ونقاط قوّتنا تكمن في ما يميّزنا عن الآخرين.
واكتشفت نتيجة تجربتي الخاصة أننا “حين لا نملك خياراً سوى أن نكون أقوياء، نكتشف في داخلنا قوة لم نكن نعي وجودها في أعماقنا”.

adobestock

أما عن سر هذا الحب العجيب الذي أحمله لها في قلبي دوناً عن إخوتها…

ذات يوم، سُئلَ حكيمٌ أيّ أبنائك أحب إليك؟ فأجاب قائلاً: “الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والغائب حتى يعود. “
وعلى الرغم من أنني لا أعتبر اختلافها “مرضاً” إلا أنها تحتاج إلى الكثير من الحب والدعم كي تتمكن من إظهار أيّ تقدّم.
تعاني ابنتي من قصور في القدرة على التعبير بالكلمات والتواصل. لذا أحاول ألا أنفعل عندما أتعامل معها وأن أتحلى بالكثير من الصبر كما أضع نفسي مكانها في أي ظرف أو عندما تصاب بنوبة غضب أو تُقدم على أي سلوك سيء. تخيّلوا أنكم عاجزون عن إيصال ما تودون قوله، وتشعرون أن الآخرين لا يفهمونكم، وتخيّلوا أيضاً أنكم تعانون من مشاكل حسيّة فتتلقّون الأصوات أو الملمس أو التفاصيل من حولكم بشكل مضاعف طيلة الوقت. كيف سيكون شعوركم؟ هذا بعض ما يعيشه هؤلاء الأطفال. كيف لي أن أقسو عليها؟
ذات يوم انفعلتُ وصرختُ في وجهها من دون قصد، فوضَعَت يديها على أذنيها وأغمَضَت عينيها كالعصفور الجريح. فما كان مني إلا أن قضيتُ اليوم كله أقبّل يديها وأطلب منها السماح، ومضى الليل كله وأنا أبكي ندماً.
أذكر أنني سمعتُ كلمة “ماما” لأول مرة منها حين بلغت 5 سنوات من العمر. كان وقعها على قلبي مختلفاً أشبه بقطرة غيث سقطت على قلب تائه في صحراء قاحلة، كاد يظن أن النجاة سراب. بدت كالموسيقى، كالتراتيل، كنغمة حب.
أعترف أنني أميزها عن إخوتها. لكن ليس باليد حيلة. ستتوه حتماً ما لم أمسك بيدها. ودعوني أخبركم سراً، سأتوه أنا أيضاً. فقد أصبحت حياتي وقضيتي وهوسي وعشقي والتحدي النقي الذي سنفوز به معاً ولو بعد حين.

سماح خليفة

اترك رد