ما الذي يجعل أطفالنا يتلفظون بكلمات مسيئة؟

0

ما الذي يجعل أطفالنا يتلفظون بكلمات مسيئة؟

بدأت ابنتي ذات الأربع سنوات في الآونة الأخيرة تتلفظ بكلمات مسيئة لأختها حين تغضب “أنتِ غبية – أنتِ حمقاء – أنتِ تتصرفين كالمجنونة”. كان الأمر صعباً في البداية، لكن حين عرفنا السبب تمكنا من تدارك الأمر. والأسوأ أنها وجهت هذه الكلمات إليّ وإلى والدها بضع مرات.
في البداية كانت ابنتي ترد على الأطفال الذين يتحدثون بهذه الطريقة قائلةً “عيب، من الخطأ أن تتكلم هكذا” أو “أمي قالت إن هذه الكلمة يقولها فقط الأطفال السيئون”. بدأتُ أفكر.. ما الذي تغيّر؟ وسأكون صريحة جداً في إجابتي.. لم أتأخر في ملاحظة أن ما تغيّر في حياتنا مؤخراً هو نحن، والديها.
بعد أن كبرت أختها الصغرى وبلغت عمر السنتين، فقدنا السيطرة على كل شيء. هو سن لا يمكن السيطرة فيه على تصرفات الطفل، هو عمر ال”لا”، عمر العناد والإصرار على اكتشاف كل شيء مهما كان الأمر خطيراً، شريط الكهرباء، المروحة، الغاز، الأدوات الحادة. وكل كلمة “لا” تليها نوبة بكاء لا تنتهي.
بدأنا نتأخر على مواعيدنا بسبب الركض خلف 3 أطفال كل منهم يجري في اتجاه رافضاً ارتداء الملابس. فترة تناول الطعام أصبحت أشبه بمعركة. بدأنا نشعر أن يومنا عبارة عن ماراتون لا ينتهي قبل أن تنفد طاقتنا كلياً. مع الأسف بدأنا نفقد القدرة على التحكم في تصرفاتنا وكلماتنا. لن نقول لطفلة تمسك شريط الكهرباء وترفض إفلاته “دعيه حبيبتي سوف تموتين..”. بالطبع سنضطر إلى الصراخ وقد نقول “أنتِ مجنونة! توقفي ستؤذين نفسكِ”. لا أبرر استخدام هذا النوع من الكلمات تحت أي ظرف. لكنني لا أنكر أننا جميعاً معرضون لأن نفقد أعصابنا أحياناً. خاصةً في ظروف كهذه.

adobestock
ابنتنا تقلدنا!

بدأ زوجي يغضب ويوبخها. بالتأكيد لن يكون أي أب سعيداً بأن يصغي إلى ابنته تتحدث بهذه الطريقة. إلى أن جلستُ معه وتحدثنا عن الأمر. ابنتي تقلدنا، نفس الأسلوب ونبرة الصوت والطريقة التي نصرخ فيها حين نغضب، ونفس الكلمات! لا يمكننا أن نجبرها على عدم التلفظ بكلمات نقولها أمامها. لا يمكننا أن نخبرها أن هذا التصرف خاطئ ونحن نقوم به. لن تفهم هذا التناقض.. نحن قدوتها.. ستقلدنا حتماً.
ذات يوم جلستُ معها كي نتحدث بهدوء، وسألتُها “صغيرتي من علمكِ هذه الكلمات؟ أنتِ تعرفين أنه من الخطأ التحدث بهذه الطريقة”. فأجابت “أبي يقولها حين يغضب من أختي، وأنتِ أيضاً ماما قلتِها حين أوقعت نايا الهاتف وكسرته”. نظرتُ إليها بارتباك ثم قلت “حسناً صغيرتي، حتى الكبار يخطئون أحياناً حين يغضبون، ما رأيُكِ أن تذكريني بأنه عليّ عدم قول هذه الكلمات حين أغضب؟”. أومأت برأسها.
في اليوم التالي كانت نايا الصغرى تمسك بلعبة بلاستيكية وجرت نحوي ثم ضربتني بها على رأسي دون قصد. كانت الضربة مؤلمة جداً فصرخت دون وعي “ماذا دهاكِ؟ أغبية أنتِ!”. فنظرت إليّ أميرتي وقالت “ماما عيب، لا تقولي لها غبية”. وغَمَرَت أختها وقبلتها. فاعتذرتُ من السيدة الصغيرة وقبلتها وشكرتُ أميرتي لأنها ذكرتني بألا أتلفظ بهذه الكلمات مجدداً.
منذ ذلك الحين اتفقنا أن نبدل كلماتنا السلبية بكلمات أخرى.
فبدلاً من قول أنتِ غبية، نقول: الأطفال المهذبون لا يقومون بهذا التصرف، أعرف أنكِ لم تقصدي هذا، أتمنى ألا تكرري ما قمتِ به للتو.
أو بدلاً من قول توقفوا عن الجري كالمجانين. يمكننا أن نعطيهم لعبة تحتاج إلى الجلوس كالمكعبات أو أوراق وأقلام..
تلقائياً مع مرور الوقت توقفت ابنتي عن استخدام كلمات سيئة أو الصراخ في وجه أختها وتوبيخها.
التربية تحتاج إلى الكثير من الحكمة والدهاء. لا شك أن الأمر ليس سهلاً. لكننا كي نتمكن من تربية أطفالنا بطريقة مثالية يجب أن نكون نحن قدوة مثالية قبل كل شيء.


سماح خليفة

اترك رد