قد تخسرون أطفالكم إلى الأبد، فقط لأنكم لم تفعلوا شيئاً

0

عدم الشعور بالانتماء… لا بل أسوأ هو الشعور باللاانتماء.
هذا الشعور الذي يرافقنا كيفما اتجهنا، بحيث نشعر بالغربة عن كل شيء، عن الأشخاص، عن الأماكن، عن الأفكار المتداولة، عن أي شيء، عن كل شيء. ذاك الشعور بأن كل شيء يتخلى عنا الذي يدفعنا إلى التعلق بأي شيء أو شخص يبدي الاهتمام بنا… حتى لو لم يكن يشبهنا. تعلق هذا الشخص وتمسكه بنا يجعنا نشعر أننا بدأنا ننتمي إلى شيء.
كاذب من يقول إن باستطاعته أن يحيا دون شعور بالانتماء. دون شعور بأن هناك مكان سيلجأ إليه حين يضيع في متاهات الحياة وتطحنه معاركها. مكان يداويه من جراحه ويدفعه للمحاولة من جديد.. مكان أو شخص.
هذا الشعور يرافقني منذ طفولتي… وما زال. ما زال يدمر كل محاولاتي للتكيف وتقبل ذاتي وتقبل الآخرين. لماذا؟ لأن الشخص الذي كان وما زال يشعرني بأنني غريبة هو “أمي”. ذات يوم قالها لي عمي والد زوجي “أنتِ غريبة، مهما حاولنا التقرب منكِ تستمرين بالتصرف كالغريبة”. هو محق… حينها استأذنتُ وانسحبتُ ودخلتُ إلى الحمام وبكيت… بكيتُ كثيراً. ثم خرجتُ أبتسم أمام الجميع كعادتي. لم يكن عمي سبب إذكاء البكاء، كل ما في الأمر هو أنه كان على صواب. هو لمس أعمق جراحي ووصل إلى أعمق نقطة وجع تهز أعماقي. نعم أنا غريبة. لكنني أحاول. كنتُ أحاول أن أشعر بأنني جزء من شيء، جزء من كيان، من أسرة زوجي، من عملي، من محيطي. لكنني لم أنجح… كل محاولاتي كانت دائماً تبوء بالفشل.

كيف لي أن أنجح في محاولاتي مع الناس. ومحاولاتي مع أمي لم تنجح بعد.

أنا لا أشعر بأنني أنتمي إليها. هل هناك ما هو أقسى من هذا الشعور؟ مسكينة أمي هي لم تفعل شيئاً… إنها حتى لا تعلم. لكن المشكلة الحقيقية هي في أنها لم تفعل شيئاً. في طفولتي لم تفعل شيئاً، وفي أسوأ ظروفي وأوقاتي حين كبرت لم تفعل شيئاً.
لا أدري كيف تفكر؟ هل تظن بأنني قوية إلى هذا الحد؟ أنني لا أحتاج إليها؟ أم تظن أنني سأستطيع تجاوز كل شيء بمفردي كما فعلت في طفولتها. هي تدعي أيضاً أنها بخير… مثلي. ليتني أستطيع أن أخبرها أنها لم تتجاوز ما عاشته في طفولتها، وأكبر دليل أنها تكرره معي.

هناك شعور عميق يحاصرني حين أكون معها، شعور بالرفض، لا برفضي لها، بل برفضها لي. أراه في كل التفاصيل، في نظراتها، في تصرفاتها، في كلماتها. أشعر بأنني أختنق ببطء فأسرع باختلاق الحجج والابتعاد. ما الذي تتذكره حين تراني كي ترفضني بهذا الشكل؟ وما الذي أتذكره حين أراها حتى أشعر بأن عليّ الهروب بعيداً بأسرع وقت.
مجدداً، هو ذاك الشعور بعدم الانتماء. احتضنوا أطفالكم. تقربوا منهم. اهتموا بتفاصيل حياتهم. اجعلوهم يدركون أنكم ملاذهم وملجأهم حين يضعفون أو يخافون وحتى حين يخطئون. لا تسمحوا لهذا الشعور باللاانتماء أن يسيطر على أعماقهم… لأنكم ستكتشفون لاحقاً أنكم خسرتموهم إلى الأبد… فقط لأنكم لم تفعلوا شيئاً حين كان عليكم أن تفعلوا كل شيء.

اترك رد