” نعم أضرب طفلي، وما زال يحبني.. والتربية الحديثة هُراء! “

0

” نعم أضرب طفلي، وما زال يحبني.. والتربية الحديثة هُراء! “

مع الأسف إنها جملة تتردد على مسامعنا يومياً، ونسبة الأشخاص الذين يعتمدونها في تربيتهم لأطفالهم ليست قليلة. دعونا نتحدث قليلاً عن الأمر عبر هذا المقال.

انظروا إلى المشهد قليلاً من بعيد

طفلُ صغيرٌ لا حول له ولا قوة، لا يستطيع الدفاع عن نفسه، يضربه شخصٌ بالغٌ لأنه أخطأ. بيده أو بحزام أو بأيه أداةٍ كانت. ما هو شعوركم حين ترون هذا المشهد؟ نسبةٌ كبيرةٌ ستجيب، “إنه استقواءٌ على كائنٍ ضعيف”، “إنه عنفٌ وتصرفٌ خالٍ من الإنسانية”، “يا لحقارة وجبروت هذا النوع من الأهل”!
ونسبةٌ أخرى ليست بقليلة مع الأسف ستجيب “لو لم يكن يستحق ذلك لما ضربوه”. حديثي الآن موجهٌ إلى هذه النسبة بالتحديد.
ماذا لو كنتَ تقف أمام مديرِكَ في العمل، هذا الشخص الذي يؤمن لكَ راتبكَ الشهري، ولا يمكنكَ الاستغناء عنه. ماذا لو أخطأتَ وضربك؟ أنا لا أمزح، إنها ليست نكتة. ماذا لو ضربكَ على كل خطأٍ ترتكبه في عملكَ بحجة تأديبِكَ، دون أن تتمكن من القيام بأي رد فعل لأنك بحاجة إليه؟
السؤال الأول: ما سيكون شعورك حينها؟
السؤال الثاني: هل ستتعلم أنكَ أخطأتَ إن ضربكَ، أم ستتعلم أن تكرهه أو تخفي أخطاءكَ عنه فحسب؟
والسؤال الثالث: مديركَ غائب، ولا يوجد مَن يخبره بأنكَ تقوم بتصرفٍ خاطئ، هل ستتصرف كما علمكَ أم أنكَ ستستغل فرصة غيابه كي تشعر ببعض الحرية وتقوم بكل ما منعكَ عنه؟
إجابتكم ستكون كافية لإيصال الرسالة.

نعم أضرب طفلي، وما زال يحبني

مَن أخبركَ أنه ما زال يحبك؟ هل يملك الجرأة أن يخبركَ أن جزءاً منه يكرهك؟ أم أن هذا الجزء منه ستتحدث عنه تصرفاته وسلوكه اتجاهك واتجاه الآخرين حين يكبر؟
وفي حال كان ما زال يركض نحوكَ بنفس اللهفة عند عودتكَ إلى المنزل.. سأخبركَ عن السبب.. عزيزي الأب، عزيزتي الأم، أنتما ملجأه الوحيد.
إنه نفس حال الزوجة التي لا تملك ملجاً سوى ذاك الرجل الذي يضربها كل يومٍ ويقلل من شأنها، فتختار الصمت والاستمرار في العلاقة.
لا بل يختلف، الطفل أضعف من الزوجة وأقل حيلةً… الطفل فعلاً لا حول له ولا قوة. إنه تعلقٌ مرضي، ليس حباً! وفي حال كان حباً فيعود ذلك إلى أن قلب الأطفال بريء لا يعرف الكراهية لا لانكم تستحقون هذا الحب.

الطفل لا يكرهنا حين نضربه، بل يكره نفسه

لماذا؟ لأن والديه مقدسان بالنسبة إليه. ولأن والديه لا يخطئان. لأن والديه دائماً على حق. إذاً مَن المخطئ دائماً؟ طبعاً هو.. مَن السيء دائماً؟ بالتأكيد هو.. مَن لا يستحق الحب؟ أيضاً هو.
ربما لن يكرهكم طفلكم؟ ربما سيشاء الله أن يكون طفلاً حنوناً باراً بوالديه. لكن أي نوعٍ من الشخصيات تبنون ؟ تبنون شخصية رجلٍ أو امرأة مقتنعين تماماً أنهما لا يستحقان الحب والإحترام، شخصية خاضعة هشة ضعيفة أمام مواجهات الحياة، شخصية تهتز ثقتها بنفسها نتيجة أي كلمة، لا تدرك قيمة نفسها ولا تقدر ذاتها.
التربية الحديثة ليست هُراء… تعنيف الأطفال هو الهراء بحد ذاته. كفوا عن تبرير تصرفاتكم العدوانية اتجاه أطفالكم، احترموا كيانهم ومشاعرهم. وتعرفوا قليلاً على بعض طرق التربية الحديثة، ستجدون اختلافاً حتماً، في علاقتكم بأطفالكم، وفي النتيجة.

سماح خليفة

اترك رد