أساليب تربوية تزرع الخوف والتوتر في قلوب أطفالكم دون أن تشعروا

0

أساليب تربوية تزرع الخوف والتوتر في قلوب أطفالكم دون أن تشعروا

أوقع الطفل الكوب دون أن يقصد. كُسِرَ الكوب، ارتعب الطفل وبدأ بالبكاء. كان ينتظر من أمه أن تحمله وتطمئنه. نظرت إليه أمه بغضب، بدأت بالصراخ وتوبيخه “أنتَ طفلٌ مهمل، لا تستطيع حتى أن تمسك بكوب صغير! أنت متعبٌ جداً! لقد مللتُ من تصرفاتك الغبية”. أصبح الطفل الآن خائفاً من انكسار الزجاج المفاجئ، من نظرات أمه الغاضبة، ومن كلماتها الجارحة.

مشهدٌ مؤسف أليس كذلك؟ دعوني أخبركم أن بعض الأمهات حتى يضربن أطفالهن في مواقف مماثلة. ضمنياً، يكون خوف الأم على طفلها قد سيطر على تفكيرها، ظاهرياً يرى الطفل أن أمه تخيفه وتزيد من خيبته وخوفه بدلاً من أن تحميه.

إنه أحد المواقف الشائعة التي لا حصر لها، والتي قد تزرع الخوف والتوتر في قلوب أطفالنا دون أن نشعر. والنتيجة؟ أطفال يخافون من مواجهة أخطائهم، يخافون التجربة والمبادرة، لا يثقون بأنفسهم وبقدراتهم، ويشعرون بالقلق بشكلٍ دائم.

تقف الأم محتارة وهي تتساءل “لمَ طفلي يخاف من كل شيء؟ لماذا يسأل عن كل شيء ويقلق بشأن أتفه الأمور؟ ما الذي يجعله هادئاً في الصف ولماذا تشتكي منه المعلمات لعدم مشاركته في الرد على الأسئلة أو الانشطة؟”

عزيزاتي الأمهات.. إنه الخوف. الخوف الذي تعرفتُ على تداعياته شخصياً ولا زلتُ أكافحها حتى الآن، بسبب أمور تعرضتُ لها في طفولتي جعلت تلك المخاوف تحاصرني لا بل تسكنني وتجسد شخصيتي حتى يومنا هذا.

إليكم بعض الأساليب التربوية التي تزرع الخوف والتوتر في قلوب أطفالكم دون أن تشعروا:

1- المبالغة في ردود الفعل

يمكن اختصار الفكرة في الموقف الذي ذُكِرَ أعلاه. كان باستطاعة الأم أن تغمر طفلها وتهدئه وتتأكد من أنه بخير. وتساعده في تنظيف قطع الزجاج دون أن يؤذي نفسه. ومن ثم أن تخبره أن عليه توخي الحذر في المرة المقبلة.

في كثير من الأحيان نبالغ في ردود فعلنا دون أن نقصد. ربما بسبب ضغوطات متراكمة أو تعب أو إرهاق وربما هذا طبعنا! لكننا شيئاً فشيئاً سنجعل أطفالنا يخافون من ارتكاب الخطأ عوضاً عن التعلم منه. وسيخافون من المبادرة في أتفه الأمور خوفاً من التعرض للإهانة أو من التداعيات اللاحقة.

إنها أحد الأسباب التي تجعلني اليوم على الرغم من أنني أثق بقدراتي، أتردد ألف مرة قبل أي خطوة، وأحد الأسباب التي جعلتني أبالغ في تخيل تداعيات أي تصرف أقوم به، وأتراجع وأخسر الكثير من الفرص.

2- اعتبار الخطأ جريمة

ما زلنا نتحدث في نفس السياق. يجب أن نعلم أطفالنا أن الجميع يخطئون، وأن ارتكاب الأخطاء ليس جريمة، شرط أن نتعلم من أخطائنا. تربينا في مجتمع ينظر أبناؤه إلى بعضهم البعض وينتقد كل منهم الآخر، فيما هم جميعاً غارقون بأخطائهم. على أي حال؟ مَن منا لا يخطئ؟ ومَن أعطانا الحق كي نقيّم الآخرين ونحكم عليهم؟
إن اعتبار أقل خطأ يرتكبه الطفل جريمة يزرع الخوف في قلبه وتفكيره وتصرفاته أيضاً. تجنبوا هذا الأسلوب التربوي لأنه فاشل بامتياز. لقد جعلني أصبح شخصاً هشاً ضعيفاً، يخاف أن يخطئ ويعتذر من الآخرين حتى دون أن يخطئ، يظن أنه سبب كل مشاكل الكون، ويتجنب العلاقات الإجتماعية والمبادرة.

AdobeStock License
3- التركيز على الأمور السلبية بشكل دائم

التوازن في كل الأمور خير من التحيز والتطرف. ما بالكم لو كان التطرف في انتقاد طفل في طور تكوين شخصيته بشكلٍ قاسٍ ومستمر؟ والكارثة هنا أننا نقوم بذلك بحجة “التربية”. ومَن قال إن التربية هي في تعليم طفلنا على “جلد الذات”. نعم هذا ما يحصل حين نستمر في انتقاد أطفالنا. نحن نزرع في عقولهم أفكاراً سلبية عن ذاتهم تجعلهم يشعرون بالتردد والتوتر الدائم.

لا ريب في أنني اليوم أجلس في غرفتي حين أمر بصعوبات أو أخطئ أو أشعر بالخوف او الضعف أو العجز وأقول لنفسي “أنتِ فاشلة. لن تتمكني من إنجاز شيء. لطالما كنتِ كذلك. أنتِ شخصٌ عديم الفائدة”. إنه صوت أمي. هي تحبني، كانت تقصد “تربيتي” على القيم والمبادئ السليمة، لكنها دون أن تقصد “ربت” داخلي مشاعر سلبية اتجاه ذاتي، جعلتني أشعر بالضعف والخوف.

4- منع الطفل عن الدفاع عن نفسه وقمعه بحجة التأديب

هنا تقع الكارثة “لا تردي على فلان هذا عيب”. “لا تتكلمي حين يتحدث الكبار”. “توقفي عن المجادلة”. ثم ماذا؟ ثم أصبح شخصاً غير قادرٍ على الدفاع عن نفسه حين أكبر. لطالما مررتُ بمواقف كنتُ أصغي فيها إلى أشخاص آلمتني كلماتهم وتصرفاتهم، وأصمت وفي بالي ألف رد. لماذا؟ لأنني تربيتُ على الصمت. إنها ثقافة الصمت التي زُرِعَت في فكري، فأصبحت أعجز عن الدفاع عن ذاتي أو عن حقوقي أو عن مشاعري حين أتعرض للأذى وأتألم بصمت.

هذا الأسلوب التربوي يزرع الخوف من المواجهة في قلوب أطفالكم الذين يكبرون وهم يعتبرون أن الدفاع عن النفس عيب. سعيتُ كثيراً كي أكسر كل الحواجز داخلي وأتخلص من الخوف الذي يعتريني منذ طفولتي، وما زلتُ أسعى. لا تجعلوا أطفالكم ضحية أحد هذه الأساليب التربوية، لأنهم سيعانون طيلة حياتهم من تداعيات تصرفات مدمرة كنتم تقومون بها بدافع الحب.

سماح خليفة

اترك رد